2007-10-26

أجي أمي نوريك دار خوالي

استجاب البرلمانيون الكرام لنداء الاستغاثة الذي وجهته لهم مذيعة نشرة الأخبار في القناة الأولى ليلة الاثنين عندما أذاعت خبر إلقاء ساركوزي لكلمة في البرلمان المغربي وأنهته برجائها الحار للبرلمانيين من أجل الحضور غدا في الموعد، كما لو أنها تقول لهم «عنداك يغدركم النعاس كيما العادة وتحشمونا مع الضيف ديال سيدنا».

والحقيقة أن السادة النواب جاؤوا كلهم في الموعد، وأخذوا أماكنهم في البرلمان وظلوا يقطعون كلمة الرئيس الفرنسي، مثل تلاميذ مرتبكين في أول حصة مدرسية، بالتصفيقات. ولأن السادة البرلمانيين يوجد بينهم قوم ينطبق عليهم ما جاء في كتابه العزيز حينما قال «ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني»، فقد وجد هؤلاء البرلمانيون الأميون صعوبة كبيرة في التقاط تلك القفشات التي كان يلقيها ساركوزي ويضحك لها زملاؤهم القاريين، فكان بعضهم يميل نحو جاره ويسأله ذلك السؤال الذي كنا نسأله في أول درس للغة الإنجليزية للتلاميذ الذين كرروا السنة «آش كال، آش كال».

لقد كان منظر البرلمانيين المغاربة وهم يستمعون إلى ساركوزي وكأن على رؤوسهم الطير، يشبه كثيرا منظر تلاميذ ينتظرون أن يسلمهم معلمهم شهادة حسن السيرة والسلوك. فقد أسمعهم الرئيس الفرنسي كل كلمات الغزل الموجودة في قاموس «لوبوتي روبير»، وأشبعهم ثناء على ديمقراطيتهم الفريدة. كأن الذي يسمع ساركوزي يتحدث عن المغرب أمام البرلمانيين يعتقد أنه يتحدث عن الدانمارك أو السويد. والحال أن البرلمان الذي خطب أمامه ساركوزي لم ينتخبه سوى أقل من عشرين بالمائة من المغاربة الذين بلغوا سن التصويت. بمعنى أنه برلمان لا يمثل المغاربة الذين يتحدث عنهم ساركوزي بحماس تاجر محنك يبحث لكي يرطبك لكي يبيع لك ما جاء ليبيعه.

وكما يقول المثل المغربي «الله يجعل الغفلة ما بين البايع والشاري»، وساركوزي عرف كيف يستغل هذه الغفلة المغربية جيدا، بحيث في زيارة واحدة وقع لرجال أعماله الثلاثمائة الذين جاء محفوفا بهم صفقات بقيمة ثلاثة ملايير أورو. وفي مقابل هذه الصفقات تسلم المغرب صدقة من ساركوزي قدرها 350 مليون أورو كمساعدة من حكومة بلاده لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

والواقع أن الشعب الفرنسي الذي يدفع ضرائبه لحكومة ساركوزي يجب أن يعرف أن جزءا من أمواله ذهب إلى خزينة الحكومة المغربية كمساعدات من أجل تليين مواقف المغرب وجعله يقبل بعقد صفقات تجارية مع رجال أعمال رأسماليين وأصحاب شركات خاصة تحقق الأرباح أولا للمساهمين فيها. بمعنى أن دافع الضرائب الفرنسي يؤدي من ماله الخاص لكي يستفيد كبار رجال الأعمال من الصفقات لحسابهم الخاص.

والشيء نفسه وقع لدافع الضرائب الأمريكي الذي يجهل أن مبلغ 700 مليون دولار الذي تسلمه المغرب من مؤسسة «ملينيوم تشالينج» التي ترأس مجلس إدارتها كونداليسا رايس، كان مقابل قبول المغرب اقتناء طائرات «الإف 16» الأمريكية بمبلغ قدره مليار ونصف مليار أورو. وإدارة بوش تستعمل هنا أموال دافعي الضرائب الأمريكيين من أجل ترويج منتوجات صانعي السلاح الأثرياء الذين يتحكمون اليوم في خريطة الحروب والنزاعات العابرة للقارات.

وهكذا تعطي فرنسا وأمريكا بيد صدقات تافهة للمغرب وتأخذ باليد الأخرى أضعاف ما تصدقت به على شكل صفقات بالملايير. ومع ذلك يجد ساركوزي من يصفق له طويلا في البرلمان عندما يقول بابتسامته المنافقة «يعيش المغرب»، مرددا تلك الأسطوانة المشروخة حول المغرب الديمقراطي الذي يتغير ويعطي النموذج للآخرين. المغرب الذي تصالح مع الماضي كما لم يفعل ذلك بلد آخر مثله. المغرب الذي أنصف معتقليه السابقين. وكأننا نحن الذين استمعنا إليه لا نعيش في هذا المغرب ولا نعرف خروب بلادنا أحسن منه ومن غيره. وهكذا انطبق على ساركوزي المثل المغربي الذي يقول «أجي أمي نوريك دار خوالي».

إن ضحايا سنوات الرصاص الذين يتحدث ساركوزي عن إنصاف المغرب لهم، لا زال نصفهم تحت التراب في مقابر جماعية لا يعرف أمكنتها إلا الله والراسخون في الجيش. ومنهم من أصدر مواطنه القاضي الفرنسي راماييل مذكرة اعتقال في حقهم قبل يومين، وسيكون مفيدا لوزيرة العدل رشيدة داتي التي أتت برفقة ساركوزي أن تصحب معها الجنرال بنسليمان والقادري وبقية المبحوث عنهم في نفس الطائرة التي أتت بها، حتى توفر على القاضي راماييل مشقة انتظار أحدهم في مطار شارل ديغول عندما يأتون لتلقي العلاج في باريس كما هي عادتهم.

وعلى وزير العدل عبد الواحد الراضي أن يتعلم الدرس من ساركوزي الذي عندما سألوه عن مذكرة التوقيف التي أصدرها القاضي بحق هؤلاء المبحوث عنهم، فقال لهم أن القضاء مستقل ولا دخل له في هذه القضية. وهذا درس أيضا للناطق الرسمي باسم الحكومة «اللي باقي فريشك» خالد الناصري الذي لم يجد من تعليق يقوله بهذه المناسبة سوى استغرابه من كون القاضي راماييل يمارس السياسة عوض القضاء.

ولعل سعادة الناطق الرسمي ووزير الاتصال، القادم من حزب بدأ شيوعيا واكتوى بلهيب سنوات الجمر، يجهل أن تصريحه فيه دفاع صريح عن الجنرالات والأشخاص الذين صدرت في حقهم مذكرة الاعتقال.

وهو بذلك يضع نفسه والحكومة التي ينطق باسمها في موقع المتدخل في سير قضية معروضة على القضاء.
لقد كان على ساركوزي أن يوفر غزله المفرط وتنقيطه المبالغ فيه للمغرب على مستوى الحريات والتنمية. لأن المغاربة ليسوا أطفالا يرضعون أصابعهم حتى يدغدغ الرئيس الفرنسي وطنيتهم. وإذا كان البرلمانيون قد نافقوه بالتصفيق المفرط فلأن أغلبهم لا يمثل إلا نفسه، ولم يصوت عليهم سوى حفنة من المغاربة.

إذا كان الرئيس الفرنسي يحب المغاربة فعلا كما يدعي، فعليه أن يصدر تعليماته لبعض الموظفين العنصريين العاملين في بعض قنصلياته، والذين لازالوا يتعاملون مع المغاربة الذين يطلبون تأشيرات السفر إلى فرنسا بعقلية المعمرين. عليه أن يصدر تعليماته لشركة الطيران الفرنسية لكي تقلع عن عادة رش المسافرين المغاربة قبل الإقلاع من المغرب بذلك المبيد الغريب الذي تستعمله شركة الطيران الفرنسية ضد جراثيم وهمية تعشش في رؤوس المسافرين المغاربة وأمتعتهم، جراثيم لا تراها بالمناسبة سوى شركة الطيران الفرنسية من دون شركات طيران العالم بأسره.

عليه أيضا أن يفتح تحقيقا في حق تلك الشركة التي يوجد على رأسها مواطن يحمل الجنسية الفرنسية والتي تريد استغلال مياه عين قرية بنصميم، ضدا على مصالح السكان وحقهم الطبيعي في مياه قريتهم.

لقد أراد ساركوزي أن يرى في المغرب فقط أوراشه المفتوحة ومشاريعه وصفقاته المربحة وبرلمانييه السمينين، لكن من واجبنا كصحافيين أن نريه المغرب الآخر الذي لو رآه لألف فيه ديوانا من الرثاء مكان تلك القصيدة الغزلية التي ألقاها في البرلمان.

نعرف أن معالي الرئيس الفرنسي جاء ليلقي قصائد الغزل وليبيع طائراته وقطاراته ومفاعلاته النووية، وليس لديه الوقت للاستماع إلى المراثي. فيبدو أن المرثية التي أسمعته إياها زوجته في رسالة الطلاق قبل أن يأتي إلى المغرب تكفيه وزيادة

رشيد نيني

2007-10-25

بوتفتاف

ظل المواطن الأمريكي «مزس لانهام» على اقتناع بأنه الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يلوي قدميه ويديرها بزاوية قدرها 180 درجة ثم يمشي بها معكوسا من دون أن يشعر بالألم. إلى أن خرج له ابنه «تراي لانهام» من الجنب واستطاع أن ينافسه على هذه الموهبة، بل استطاع أن يتفوق عليه عندما أصبح يرتدي ملابسه بالمقلوب، كما فعل مؤخرا في برنامج المنشط الأمريكي الشهير «جاي لينو».

لكن المنشط التلفزيوني الأمريكي لم يكن يعرف أن هناك في المغرب من يستطيع تحدي الأب وابنه، بحيث يستطيع أن يقلب وجهه وليس فقط رجليه ويسير لخمس سنوات كاملة. ولو أن محمد اليازغي وزير الدولة بدون حقيبة، يترشح لبرنامج «جاي لينو» ويرفع التحدي أمام هذا الأب الأمريكي وابنه ويظهر لهما موهبته الخارقة التي بفضلها يستطيع أن يقلب وجهه ويضع رجلا في الحكومة ورجلا أخرى في المعارضة، ثم يسير بالمقلوب عكس ما تطلبه منه قواعد حزبه، لنجح في جعل كبريات المجلات العالمية تتهافت عليه لتجري معه مقابلات صحافية يشرح لهم فيها الوصفة السحرية التي يتعاطاها سرا لينجح في تحويل نفسه بهذه السرعة القياسية من زعيم سياسي إلى بهلوان.

والذي يقرأ البيان «التاريخي» الذي أصدره المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي قبل أمس، والذي يتحدث عن «القلق الشديد من المنحى الذي اتخذته الحياة السياسية في المغرب بعد تشكيل الحكومة»، يصاب حقيقة بالذهول، ويفهم بشكل أوضح الإحصائيات الأخيرة التي نشرتها وزارة الصحة والتي تتحدث عن وجود 300 ألف مغربي مصاب بالشيزوفرينيا، أي ذلك المرض الذي يجعل المصاب به يحمل في داخله شخصيتين متناقضتين. بمعنى آخر بنادم فيه جوج، واحد كايكول الرا ولاخر كايكول شا. كما يفهم بشكل أوضح إحصائيات المصابين بمرض بوتفتاف. وخصوصا بوتفتاف السياسي.

ولعل هذا المرض الخطير ينطبق بشكل كبير على المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وكاتبه العام، الوزير بدون حقيبة. فبين ليلة وضحاها قرر المكتب السياسي أن يضع رجلا في الحكومة ورجلا في المعارضة وأن يسير بالمقلوب عكس ما هو متعارف عليه في أدبيات العمل الحكومي كما هو متعارف عليه في العالم. ولعل الذي كان يحرر بيان المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي لم يكن يعرف أنه يقترف سابقة في العمل السياسي لم يسبقه إليها أحد من العالمين. فاليازغي يريد أن يأكل الغلة ويسب الملة، يريد الحقائب الوزارية في الحكومة ويريد معها منصب معارضة الحكومة. يريد أن يقبل بما قسمه له عباس وفي الوقت نفسه يريد أن يتعفر عليه. وهو بهذا التصرف المتناقض يشبه إلى حد كبير ذلك الغاضب الذي يتعفر على عشائه وفي الوقت نفسه يسوط عليه باش يطيب. وشخصيا أعتقد أنني فهمت ماذا يقصد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي بخيار «المساندة النقدية» للحكومة الذي أعلنوا عنه في بيانهم التاريخي. فاليازغي اختار المساندة النقدية للحكومة نسبة على النقود وليس إلى النقد. وبالضبط النقود التي سيتلقاها هو وزملاؤه نهاية كل شهر.

أحيانا تأتي الدروس السياسية العميقة من الأحزاب الأقل حجما. ولعل اليازغي مدعو لتأمل القرار الشجاع الذي اتخذته نجية مالك، نائبة الأمين العام للحزب الاشتراكي، وكذا محمد الجلايدي عضو المكتب السياسي. فقد قررا تقديم استقالتهما من الحزب احتجاجا على اتخاذ كاتبه العام عبد المجيد بوزوبع، (زوج رجاء بوزوبع التي أخرجها أخوها محمد بوزوبع وزير العدل السابق من ورطة أرض الجزائريين مثلما تخرج الشعرة من العجين بملايير محترمة في جيبها)، قرار إلحاق نائبين فائزين باسم الحزب بفريق التقدم والاشتراكية، دون استشارة المجلس الوطني. المصيبة هي أن النائبين المهاجرين تمردا على قرار عبد المجيد بوزوبع وسقطا في حضن الاتحاد الاشتراكي عوض التقدم والاشتراكية.

ولعل الدرس الذي يستفاد من قرار الاستقالة الذي تقدم به كل من نجية مالك ومحمد الجلايدي هو أن السياسي يجب أن يكون منسجما مع نفسه وقناعاته. بمعنى أن اليازغي إذا انتابه اليوم كما يقول «قلق شديد من المنحى الذي اتخذته الحياة السياسية في المغرب بعد تشكيل حكومة عباس»، فأول شيء يجب أن يقوم به هو تقديم استقالته من الحكومة وإعادة حقيبته الفارغة إلى عباس والعودة إلى خندق المعارضة. لا أن يذرف دموع التماسيح على رداءة الحياة السياسية وتدهورها بسبب تدخل مستشاري الملك في تشكيل الحكومة (والذين بالمناسبة لم يملك بيان المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الجرأة الكافية لذكر أسمائهم) وفي الوقت نفسه يقبل اليازغي خمس حقائب وزارية ويتجرع أكبر إهانة في تاريخه السياسي ويقبل حقيبة فارغة وملغومة سياسيا، أخطر بكثير من الرسالة الملغومة التي انفجرت بين يديه خلال سنوات السبعينات وكلفته بعض أصابعه. فيبدو أن هذه الحقيبة الوزارية الملغومة لن تكلف اليازغي أصابعه هذه المرة فقط وإنما ستكلفه تاريخه السياسي عن آخره.

التقاليد السياسية اليسارية العريقة تقتضي أن يعبر اليازغي ومكتبه السياسي عن قلقهم الشديد من المنحى الذي اتخذته الحياة السياسية بطريقة أخرى غير البيانات الباردة. ولعل الطريقة المتعارف عليها عالميا للتعبير عن القلق الشديد هي تقديم الاستقالة والانسحاب بشرف من الحكومة. إذا كان مازال هناك مكان للشرف في القاموس السياسي لليازغي.

والواقع أن الانسحاب من حكومة عباس يبقى هو المخرج المشرف للاتحاد الاشتراكي، عوض الإصرار على وضع رجل في الحكومة ورجل في المعارضة. فقد أظهرت هذه الحكومة ارتباكا واضحا في عملها منذ يومها الأول. وكما يقول المثل «النهار المزيان باين من صباحو». فصحة هذه الحكومة ووزيرها الأول ليست على ما يرام. ونتمنى أن لا يصدر مجلس الإفتاء عندنا فتوى تأمر بجلد الصحافيين الذين يتحدثون عن صحة الوزير الأول، كما فعل الطنطاوي في مصر عندما أصدر فتوى بجلد الصحافيين الذين تحدثوا عن صحة حسني مبارك. الطنطاوي يريد أن يطبق الحدود على الصحافيين فقط دون غيرهم، ونحن نتمنى أن يكمل اجتهاده ويصدر فتوى أخرى يطالب من خلالها بقطع أيدي كل السارقين الذين يدورون في فلك الرئيس وينهبون المال العمومي في مصر.

والواقع أن قليلا من المسؤولين عندنا يستطيعون مجاراة إيقاع الرئيس الفرنسي، فالرجل يتحرك كما لو أنه خدام بالحجرة. فقد وضع في برنامجه لصباح يوم الثلاثاء إلقاء كلمة في البرلمان على الساعة الثامنة والنصف. وهكذا فلأول مرة يحضر النواب إلى البرلمان في هذا الوقت المبكر. وستكون فكرة جيدة لو أن المنصوري رئيس البرلمان يوقع اتفاقية تعاون مع ساركوزي يكون من بين بنودها حضور ساركوزي بين وقت وآخر لتنشيط البرلمان المغربي وإيقاظه مبكرا كما صنع بالأمس.

ولعل دروس زيارة ساركوزي لا تقف عند حد الفياق بكري، وإنما أيضا تمتد إلى دروس في الحياة الزوجية. فعند هؤلاء الفرنسيين عندما يصبح الزوج رئيسا للجمهورية تطلقه زوجته وتسمح فيه وفي مجده. أما عندنا فبمجرد ما يصبح الرجل عندنا نائبا في البرلمان أو وزيرا حتى يطلق زوجته ويغيرها بأخرى أصغر منها. وعندهم عندما يصبح الزوج وزيرا تقدم الزوجة استقالتها من وظيفتها الحساسة، كما وقع مع الصحافية «آن سانكلير» التي كانت تقدم نشرة الثامنة في القناة الفرنسية الأولى، عندما أصبح زوجها شتروسكان وزيرا للمالية. أما عندنا فبمجرد ما تسلمت ثريا جبران حقيبة الثقافة حتى ظهر زوجها إلى جانبها في كل الصور وهو يحمل عنها ملفات الوزارة.

دروس ساركوزي شملت حتى جانب الوطنية الحقيقية. فساركوزي الذي يقدموه لنا في الإعلام الرسمي والإعلام الفرانكوفوني المحلي كالمنقذ الذي جاء لكي ينتشل اقتصادنا من الإفلاس باتفاقياته المتعددة، جاء محاطا بجيش حقيقي من رجال الأعمال الذين يبحثون في المغرب عن صفقات مربحة لشركاتهم وعقود طويلة الأمد تخرجهم من الأزمة التي يتخبطون فيها في فرنسا. فالرجل جاء لكي يبيع قطاراته السريعة لربيع الخليع الذي لازال لا يستطيع التحكم حتى في توقيت قطاراته الجديدة التي اشتراها له غلاب من إيطاليا بالملايير، ومع ذلك تتوقف في وسط الطريق وتتحول إلى حمامات للصونا. وجاء بوزيرته في العدل رشيدة داتي لكي توقع مع عبد الواحد الراضي وزير عباس في العدل اتفاقية لتصدير المحابسية المغاربة من فرنسا إلى سجون المغرب لتخفيف العبء على ميزانية الجمهورية الفرنسية. وجاء معه بمئات الزيزوارات الذين يحسنون التكراط فالبيع والشرا بلا ما. وعندما رأيت كل هذا الجيش العرمرم من رجال الأعمال حول ساركوزي قلت في نفسي متسائلا، آش غادي يبيع المغرب لهاد المقوصا، البابوش ؟

فعدت وقلت في نفسي أن المغرب يمكنه أن يبيع فرنسا تحفة نادرة قد تنفع في متحف اللوفر، وهي كائنات سياسية تعود إلى العصور الجليدية الأولى اسمها السياسي المحجوبي أحرضان، النقابي المحجوب بن الصديق، الجنرال حسني بنسليمان. وبالمناسبة قبل أن يسلموا الجنرال للمتحف يمكن أن يمروا به عند مكتب القاضي رماييل الذي يحقق في ملف بنبركة. فقد أرسل إليه استدعاء قبل يومين هو وخمسة من المطلوبين للعدالة الفرنسية. فيبدو أنهم لا يسكنون في المغرب. على الأقل المغرب الذي نسكن فيه نحن.

2007-10-24

رسالة إلى عباس من الضحية رقم ثلاثون ألف

هناك رسائل كثيرة تصلني بين يوم وآخر. شكاوى، مظالم، طلبات عمل، طلبات زواج. لكن يحدث أحيانا أن تصلك رسالة تجد أنها تختزل معاناة الآلاف من المغاربة. رسالة تستحق أن تنشر كاملة بدون تعديلات. اليوم هناك رسالة موجهة للوزير الأول عباس الفاسي، يذكره فيها صاحبها بجريمة اسمها «النجاة» مرت عليها خمس سنوات ولازالت جراحها طرية فوق ذاكرة ضحاياها.

باسم هؤلاء الضحايا، يتحدث اليوم الضحية رقم ثلاثين ألفا، وهذه رسالته:
«بسم الله الرحمان الرحيم أنا الموقع أسفله حميد بو دهب الحامل للبطاقة الوطنية رقم 234699 BJ والساكن بكريان الرحامنة بسيدي مومن، أصرح بأن وزير التشغيل السابق في حكومة اليوسفي والوزير الأول الحالي السيد عباس الفاسي قد تسبب في تدمير مستقبلي المهني والدراسي وتحطيم نفسيتي.

وهذه قصتي.
في سنة 2001 بعد اجتياز مجموعة من الاختبارات تمكنت بصعوبة نظرا لعدد المرشحين من الظفر بمقعد في المعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية في الصناعة الميكانيكية شعبة تقني متخصص في تصميم ودراسة التركيب المعدني كانت دفعتنا هي الأولى في المعهد مما يعني حظوظا وافرة في إيجاد عمل مباشرة، بعد التخرج كانت مسيرتي الدراسية موفقة وكانت لي طموحات كثيرة وأمال عريضة.

إلى أن جاءت سنة 2002، السنة التي قلبت حياتي رأسا على عقب، خصوصا عندما توصلت بخبر من أحد معارفي بأن هناك شركة إماراتية تطلب عددا كبيرا من الشباب المغربي للاشتغال في بواخر بحرية، فذهبت إلى الوكالة الوطنية لتشغيل الكفاءات التابعة لوزارة الشغل من أجل التأكد من الخبر، ولم يكن في نيتي تسجيل نفسي لكوني كنت أتابع دراستي في المعهد. بعد دخولي للوكالة وجدت عددا كبيرا من الشباب ذوي الكفاءات والحاصلين على مختلف الشواهد العليا تفوق الشهادة التي سأحصل عليها يقومون بملء مجموعة من الوثائق للتسجيل في الشركة الإماراتية. فقلت في نفسي مادام هؤلاء الشباب المجازون والتقنيون يسجلون أنفسهم فهل سأكون أنا أحسن منهم، وخاصة أنني سمعت أن الشركة الإماراتية صاحبها أمير في الإمارات والأجر الشهري الذي تقترحه الشركة مغري.

بعد استشارة عائلتي وبعد تفكير عميق قررت تسجيل نفسي في الشركة، دون أن أنقطع عن الدراسة في المعهد. بعد مرور عدة أشهر عن التسجيل في الشركة واجتيازي لعدة فحوصات طبية وتحاليل للدم كلفتني مبالغ كبيرة واستنزفت مدخرات عائلتي التي يعيلها أب متقاعد يتحمل مسؤولية إطعام ستة أفواه. رغم ذلك تابعت دراستي في المعهد واجتزت الامتحانات بنجاح، لم يراودني الشك يوما في شركة «النجاة» لعدة أسباب لعل أهمها هي أنهم قالوا إن الشركة يرأسها أمير إماراتي، وبالتالي لو كانت شركة وهمية لتدخلت سفارة الإمارات في المغرب وأبلغت عن ذلك. ثانيا فالشركة تعاقدت مباشرتا مع الدولة في شخص وزارة التشغيل. ثالثا عملية التسجيل وإجراء الفحوصات دامت لأشهر، أي مدة طويلة كافية لإجراء بحث أمني لمعرفة جدية الصفقة من عدمها. رابعا، مدير الوكالة الوطنية لتشغيل الكفاءات ذهب شخصيا إلى الإمارات وتعاقد مع الشركة.

أما السبب المهم الذي جعلني أودع زملائي في المعهد وأنقطع عن إتمامي مسيرتي الدراسية فهو الكلام الذي صرح به السيد عباس الفاسي في لقاء مباشر على برنامج «في الواجهة» التي كانت تعده وتقدمه مليكة مالك في القناة الثانية. الكلام الذي لازلت أحفظه رغم مرور خمس سنوات والذي أكد فيه بأن شركة «النجاة» شركة حقيقية وأن العملية سليمة وهو رجل مسؤول عن هرم السلطة في وزارة التشغيل وله جميع الإمكانيات لتجعل كلامه يأخذ عن محمل الجد.

وكلكم تعرفون نهاية القصة. خيرة الشباب، مستقبل البلاد، أكثر من ثلاثين ألف شاب المغربي تعرض لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخ المغرب.

مرت الآن خمس سنوات عن عملية النصب هذه، ولازلت أتذكرها بكثير من الحقد والكراهية لكل من ساهم في تدمير مستقبلي وسرقة دمي ومالي وتحطيم نفسيتي، وعلى رأسهم السيد عباس الفاسي، الوزير الأول الحالي. أقول لك يا عباس لقد قتلتني، أنا الآن أمارس عملي في محطة الوقود مرجان عين السبع بعد أن كنت أحلم أن أتخرج من المعهد وأصبح تقنيا متخصصا وأشتغل في عمل يناسب شابا درس أربع عشرة سنة وحصل على الباكالوريا العلمية ودرس في الجامعة. لا أن أشتغل في عمل أخجل عندما أصرح به رغم احترامي للعاملين في نفس الشغل.

إنك يا عباس قد حطمتني. لم أكن أتخيل يوما أن أذهب إلى الرباط وأتشرد وأعتصم أمام البرلمان ويحطموا عظامي. أتذكر بكثير من الحزن في القلب تلك الليلة الماطرة وأنا واقف أمام البرلمان أطالب بإرجاع حقوقي المغتصبة. عندما صفعني أحد رجال التدخل السريع بكيت كثيرا لأن الدولة ظلمتني. تسببوا في انقطاعي عن اتمام الدراسة وأخذوا دمي وسرقوا مالي وعندما طالبتهم بحقي أهانوني وضربوني. لقد سببت لي يا عباس الفاسي أزمة نفسية.

إلى حدود الآن وبعد مرور خمس سنوات لم يتم تعويضنا كما قالوا، والأقسى من ذلك أن لا أحد منهم يعتذر لنا عما وقع. أنا الآن أبلغ من السن سبعا وعشرين سنة، تقريبا نفس المدة التي قضيتها يا عباس في الحكومات والسفارات والبرلمانات. وهذه مناسبة لكي أقول لكم أنني لم أعد أنتظر منكم شيئا. لقد فوضت أمري لله عز وجل وأنتظر بفارغ الصبر أن يقبل ملفي للإقامة في كندا وأترك لكم البلاد بما فيها. وهذا هو الأمل الذي أعمل على تحقيقه، وأتمنى من الله أن يسهل لي فيه. وفي الأخير أقول لك السيد عباس الفاسي أنت الآن وزير أول ولك من الوسائل والإمكانيات ما يجعلك تقوم بتعويض ما يمكن تعويضه للضحايا، وتأكد أنك أنت المسؤول رقم واحد وأن الله يمهل ولا يهمل سبحانه.

أكثر من ثلاثين ألف شاب ضحية إذا أضفنا إليهم عائلاتهم وأصدقاءهم سيصبح العدد قريبا من المليون، أي مليون شخص تم الضحك عليهم وسرقتهم.

ولكي أكون صريحا معكم فأنا شخصيا لم أتسجل في اللوائح الانتخابية، ولن أتسجل يوما. ولي اليقين بأن البرلمان لو أزيل من الوجود فإن غيابه لن يؤثر في المشهد المغربي.

لم أعد أثق لا في الأحزاب ولا في البرلمان ولا في الحكومة. أثق في الله عز وجل، هو حسبي ونعم الوكيل فيكم.
وتقبلوا سعادة الوزير الأول غضبي الشديد منكم، وأسفي الكبير على المغرب».

2007-10-23

دوي علينا وجي علينا

دعونا نقوم اليوم بمراجعة تطورات بعض الأخبار التي تعرضت لها في هذا العمود خلال الأيام القليلة الماضية. فيبدو أن هناك مستجدات في بعضها، خصوصا بعدما قررت ولاية الأمن في الدار البيضاء إعادة فتح التحقيق في اعتداء حاخام مغربي يهودي على شرطي أمام المدرسة اليهودية بالقرب من شارع مولاي يوسف خلال العشر الأواخر من رمضان.

والجديد هو أن الشرطي المسكين عوض أن يردوا إليه اعتباره وكرامته، جعلوه يتلقى بمناسبة عيد الفطر السعيد عقوبة تأديبية ستظل في ملفه الإداري إلى الأبد وستعوق بلا شك ترقيته المنتظرة.

وقد كان رؤساء الشرطي يعتقدون أن فضيحة إهانة هذا الأخير وتمزيق بذلته فوق ظهره من طرف الحاخام إسحاق، ستمر بسلام وبدون فضائح في وسائل الإعلام، إلا أنهم صدموا عندما قرؤوا الخبر في عمود «مواطنون لاروب»، واتهموا الشرطي المسكين بأنه هو من سرب الخبر إلى الصحافة (نقول الصحافة تجاوزا، لأن المساء هي الوحيدة التي كتبت حول هذا الموضوع)، وقرروا معاقبته على توقيعه للتنازل عن حقه في متابعة الحاخام دون علم الإدارة العامة للأمن الوطني، بعد أن فعلت هذه الإدارة المستحيل لإجباره على توقيع التنازل.

وهكذا انتهى هذا الشرطي المغلوب على أمره مهانا مرتين، مرة من طرف الحاخام اليهودي ومرة من طرف إدارته. والذي يسمع الإدارة تتحدث عن خرق الشرطي لقوانين التراتب المهني وتوقيعه للتنازل دون إذن روسائه، يستغرب لهذه النفس الحارة التي نزلت فجأة على إدارة الأمن عندنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بحدة هو أين كانت هذه النفس الحارة عندما صدرت أوامر من أعلى عليين تقضي بتقديم الحاخام وابنه أمام النيابة العامة قبل انقضاء 48 ساعة مثلهم مثل جميع المغاربة. أم أن هناك من قبض الثمن ومسحها في البوليسي والآن جاء ليعطي الدروس لرجال الأمن المغلوبين على أمرهم في الهيبة والكرامة المفترى عليها.

وحتى يرتاح رؤساء هذا الشرطي تعيس الحظ الذي تبهدل على جوج جيهات، أريد فقط أن أخبرهم بأنه لم يتصل بي لكي أكتب عنه، ولم يشك لي الظلم الذي تعرض له. وأنا أشعر هنا بوخز حاد في الضمير بسبب ما تعرض له من عقوبات من طرف إدارته. فقد كتبت عنه وفي نيتي أن إدارته ستتدخل لصالحه من أجل إنصافه وإعادة الاعتبار إليه، خصوصا وأن الاعتداء الذي تعرض له كان أمام الملأ، لكن الذي وقع هو العكس تماما. فيبدو أن عقوبة كل رجل أمن سيعترض في المستقبل على لكمات وشتائم الحاخام إسحاق وابنه ستكون هي الحرمان من الترقية.

ويبدو أن الحاجة أصبحت ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تصدر وزارة الداخلية لائحة بأسماء الشخصيات التي لا يسري عليها قانون المملكة المغربية، حتى يتعرف رجال الأمن والدرك على هذه الشخصيات بمجرد رؤية كماراتهم ويتجنبوا الوقوع في حرج هم في غنى عنه. هكذا سنتجنب سماع أخبار مثل خبر دهس ابنة وزير سابق لشرطية مرور، وصرفقة الابنة المدللة لفلان لشرطي في قلب العاصمة، وشخشخة ابن وزير العدل السابق لعشرة سيارات دفعة واحدة في أكدال ساعة الفجر، وقتل ابن العنصر لمواطنين بسيارته في حالة سكر. نريد أن نحصل على لائحة بأسماء هؤلاء المواطنين فوق العادة، حتى نوفر على قرائنا وعليكم ذكر أخبارهم بين فضيحة وأخرى. فهؤلاء المواطنون فوق العادة يدخلون في عداد الذين رفع عنهم القلم.

ولعل إحدى النتائج المباشرة لسياسة سلخ رجال الشرطة أمام الملأ من طرف بعض هؤلاء المواطنين فوق العادة، هو تفشي هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة. بحيث أصبح البوليسي صيدا سهلا لبعض المنحرفين والحاسين برؤوسهم. فيومان بعد اعتداء مواطنة مغربية تحمل الجنسية البلجيكية بمساعدة أخيها على شرطي أمام قنصلية بلجيكا، بالعض والرفس، نسمع عن تعرض مقدم الشرطة (غ. عبد الكبير) الذي كان يعمل بأحد أبواب ولاية الأمن بشارع الزرقطوني للقجان والقميش من طرف إحدى السيدات. فبسبب مطالبة الشرطي للسيدة بمغادرة ولاية الأمن مادام أنه لا مصلحة شخصية لها لقضائها بالولاية، ثارت ثائرتها وبدأت تسرد أمام الشرطي لائحة بمعارفها من الجهاز الأمني. أكثر من هذا أنها تناولت هاتفها النقال واستنجدت بأخيها صعصع الذي جاء على متن سيارته الفياط سيينا، وعلى طريقة أبطال المسلسلات صعد فوق رصيف ولاية الأمن محاولا اقتحام باب الولاية.

وطبعا ألقي القبض على السيدة وأخيها في الحال، وبعد التأكد من أنهما لا ينتميان إلى المغاربة اليهود تم وضعهما تحت الحراسة النظرية، ثمان وأربعين ساعة كاملة كما ينص على ذلك القانون هذه المرة.

في اليوم نفسه قام شخص خطير في حالة سكر متقدمة من قاطنة حي لهجاجمة رفقة إخوته بالدخول لمخفر الشرطة الكائن بنفس الحي والاعتداء على الشرطي العامل هناك، بحيث خلاو دار بوه مزيان وهربو. ولعل الطريف في الأمر والذي خلف استغراب سكان الحي هو أن عنصري العسكر، أي اللواء الخفيف أو «البلير» الذي جلبتهم الإدارة العامة للأمن لمساعدة رجال الشرطة، ظلا يتفرجان على مشهد السليخ الذي تعرض لها الشرطي دون أن يهبا لمساعدته.

وعلى ذكر جهاز «البلير» وعساكره الثلاثة آلاف الذين ضخهم الجنرال حسني بنسليمان في جهاز الأمن بالدار البيضاء، لا بد أنكم لا زلتم تتذكرون عمود «حاميها حراميها» الذي تطرقت فيه لذلك اللص الذي سرق في الأسبوع الأخير من رمضان ثلاثمائة مائة درهم من حقيبة إحدى السيدات في التوين سانتر، وعندما ألقي عليه القبض اكتشفوا أنه ليس سوى عسكري في جهاز «البلير» الذي تم خلقه أساسا لمكافحة السرقة.

ولمعلوماتكم فهذا العسكري تعرض للطرد من صفوف الجيش مباشرة بعد اعتقاله بتهمة السرقة. وربما سيبدو لكم الأمر منطقيا، عسكري ارتكب مخالفة فطبقت عليه إدارته القانون. لكنكم عندما ستعرفون أن إدارة هذا العسكري لم تصرف له راتبه الهزيل الذي لا يتعدى 1500 درهم طيلة ستة أشهر الأخيرة، فربما ستغيرون رأيكم فيه.
إن إدارة تعرقل رواتب مستخدميها لمدة ستة أشهر هي التي يجب أن تتابع قانونيا بتهمة تحريض مستخدميها على السرقة، وتهديد حياة المدنيين.

ولهذا السبب فإن قرار فصل هذا العسكري من الخدمة العسكرية جعل كثيرين من العسكريين من مختلف الرتب العاملين بجهاز «البلير» يحسدونه على هذه العقوبة. لأن العقوبة الحقيقية هي الوضعية البئيسة التي يعيشونها في الدار البيضاء بعيدا عن أبنائهم وأسرهم. خصوصا بعد حرمانهم من حقهم في العطلة. ويتساءل كثيرون منهم بحسرة عندما يتذكرون أطفالهم :
- واش ولاد المغاربة بشار وحنا ولادنا قرودا...

سؤال مؤلم موجه إلى الجنرال حسني بنسليمان. ربما يكون لديه جواب مناسب عنه.

هاجس الكثير من أفراد هذا الجهاز ليس الطرد، فهذا أجمل ما يتمناه بعضهم، فالهاجس الحقيقي هو عدم قبول طلبات استقالتهم من طرف رؤسائهم. فأغلبهم يعثر على عقود عمل مدنية برواتب أحسن بكثير من ذلك الراتب المخجل الذي يصرف لهم الجيش والذي يدفع ببعضهم إلى الخروج لقطع الطريق على المواطنين من أجل سرقتهم.

بقي أن أخبركم بأن العسكريين اللذين اعتقلا في بويزاكارن وكلميم خلال رمضان بعد أن ضبط الدرك قرابة 11 كيلو من الحشيش في بيت أحدهما، قد حكما بثلاث سنوات سجنا. فيما نزلت على الكولونيل مصطفى النافيعي الذي يشتغلان تحت إمرته عقوبة تأديبية مخففة. أما الجنرال محتان قائد القطاع العسكري بواد درعة، والذي يعمل جميع هؤلاء تحت إمرته، فلم يتوصل ولو بتوبيخ بسيط.

ومن نوادر الجنرال محتان، الذي كان وراء فرض تعيين قريبه محمد محتان كاتبا للدولة في التنمية القروية في الحكومة السابقة، إجباره الجنود عندما كان في الحامية الثامنة على جمع الخبز الكارم من كل الثكنات وبيعه من أجل قتناء البالات والفيسان التي يستعملها الجنود في الحفر. وكأن ميزانية الجيش بالمنطقة الجنوبية ليس فيها شطر مالي مخصص لهذا النوع من المقتنيات.
نتمنى أن لا يقوم سعادة الجنرال بحملة لاستنطاق جنوده ومعاقبتهم بالطرد بتهمة تسريب أخباره للصحافة. ولو أن بعضهم يتمنى فعلا أن يوقع الجنرال بنسليمان قرار طرده اليوم قبل الغد

دوي علينا وجي علينا

دعونا نقوم اليوم بمراجعة تطورات بعض الأخبار التي تعرضت لها في هذا العمود خلال الأيام القليلة الماضية. فيبدو أن هناك مستجدات في بعضها، خصوصا بعدما قررت ولاية الأمن في الدار البيضاء إعادة فتح التحقيق في اعتداء حاخام مغربي يهودي على شرطي أمام المدرسة اليهودية بالقرب من شارع مولاي يوسف خلال العشر الأواخر من رمضان.

والجديد هو أن الشرطي المسكين عوض أن يردوا إليه اعتباره وكرامته، جعلوه يتلقى بمناسبة عيد الفطر السعيد عقوبة تأديبية ستظل في ملفه الإداري إلى الأبد وستعوق بلا شك ترقيته المنتظرة.

وقد كان رؤساء الشرطي يعتقدون أن فضيحة إهانة هذا الأخير وتمزيق بذلته فوق ظهره من طرف الحاخام إسحاق، ستمر بسلام وبدون فضائح في وسائل الإعلام، إلا أنهم صدموا عندما قرؤوا الخبر في عمود «مواطنون لاروب»، واتهموا الشرطي المسكين بأنه هو من سرب الخبر إلى الصحافة (نقول الصحافة تجاوزا، لأن المساء هي الوحيدة التي كتبت حول هذا الموضوع)، وقرروا معاقبته على توقيعه للتنازل عن حقه في متابعة الحاخام دون علم الإدارة العامة للأمن الوطني، بعد أن فعلت هذه الإدارة المستحيل لإجباره على توقيع التنازل.

وهكذا انتهى هذا الشرطي المغلوب على أمره مهانا مرتين، مرة من طرف الحاخام اليهودي ومرة من طرف إدارته. والذي يسمع الإدارة تتحدث عن خرق الشرطي لقوانين التراتب المهني وتوقيعه للتنازل دون إذن روسائه، يستغرب لهذه النفس الحارة التي نزلت فجأة على إدارة الأمن عندنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بحدة هو أين كانت هذه النفس الحارة عندما صدرت أوامر من أعلى عليين تقضي بتقديم الحاخام وابنه أمام النيابة العامة قبل انقضاء 48 ساعة مثلهم مثل جميع المغاربة. أم أن هناك من قبض الثمن ومسحها في البوليسي والآن جاء ليعطي الدروس لرجال الأمن المغلوبين على أمرهم في الهيبة والكرامة المفترى عليها.

وحتى يرتاح رؤساء هذا الشرطي تعيس الحظ الذي تبهدل على جوج جيهات، أريد فقط أن أخبرهم بأنه لم يتصل بي لكي أكتب عنه، ولم يشك لي الظلم الذي تعرض له. وأنا أشعر هنا بوخز حاد في الضمير بسبب ما تعرض له من عقوبات من طرف إدارته. فقد كتبت عنه وفي نيتي أن إدارته ستتدخل لصالحه من أجل إنصافه وإعادة الاعتبار إليه، خصوصا وأن الاعتداء الذي تعرض له كان أمام الملأ، لكن الذي وقع هو العكس تماما. فيبدو أن عقوبة كل رجل أمن سيعترض في المستقبل على لكمات وشتائم الحاخام إسحاق وابنه ستكون هي الحرمان من الترقية.

ويبدو أن الحاجة أصبحت ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تصدر وزارة الداخلية لائحة بأسماء الشخصيات التي لا يسري عليها قانون المملكة المغربية، حتى يتعرف رجال الأمن والدرك على هذه الشخصيات بمجرد رؤية كماراتهم ويتجنبوا الوقوع في حرج هم في غنى عنه. هكذا سنتجنب سماع أخبار مثل خبر دهس ابنة وزير سابق لشرطية مرور، وصرفقة الابنة المدللة لفلان لشرطي في قلب العاصمة، وشخشخة ابن وزير العدل السابق لعشرة سيارات دفعة واحدة في أكدال ساعة الفجر، وقتل ابن العنصر لمواطنين بسيارته في حالة سكر. نريد أن نحصل على لائحة بأسماء هؤلاء المواطنين فوق العادة، حتى نوفر على قرائنا وعليكم ذكر أخبارهم بين فضيحة وأخرى. فهؤلاء المواطنون فوق العادة يدخلون في عداد الذين رفع عنهم القلم.

ولعل إحدى النتائج المباشرة لسياسة سلخ رجال الشرطة أمام الملأ من طرف بعض هؤلاء المواطنين فوق العادة، هو تفشي هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة. بحيث أصبح البوليسي صيدا سهلا لبعض المنحرفين والحاسين برؤوسهم. فيومان بعد اعتداء مواطنة مغربية تحمل الجنسية البلجيكية بمساعدة أخيها على شرطي أمام قنصلية بلجيكا، بالعض والرفس، نسمع عن تعرض مقدم الشرطة (غ. عبد الكبير) الذي كان يعمل بأحد أبواب ولاية الأمن بشارع الزرقطوني للقجان والقميش من طرف إحدى السيدات. فبسبب مطالبة الشرطي للسيدة بمغادرة ولاية الأمن مادام أنه لا مصلحة شخصية لها لقضائها بالولاية، ثارت ثائرتها وبدأت تسرد أمام الشرطي لائحة بمعارفها من الجهاز الأمني. أكثر من هذا أنها تناولت هاتفها النقال واستنجدت بأخيها صعصع الذي جاء على متن سيارته الفياط سيينا، وعلى طريقة أبطال المسلسلات صعد فوق رصيف ولاية الأمن محاولا اقتحام باب الولاية.

وطبعا ألقي القبض على السيدة وأخيها في الحال، وبعد التأكد من أنهما لا ينتميان إلى المغاربة اليهود تم وضعهما تحت الحراسة النظرية، ثمان وأربعين ساعة كاملة كما ينص على ذلك القانون هذه المرة.

في اليوم نفسه قام شخص خطير في حالة سكر متقدمة من قاطنة حي لهجاجمة رفقة إخوته بالدخول لمخفر الشرطة الكائن بنفس الحي والاعتداء على الشرطي العامل هناك، بحيث خلاو دار بوه مزيان وهربو. ولعل الطريف في الأمر والذي خلف استغراب سكان الحي هو أن عنصري العسكر، أي اللواء الخفيف أو «البلير» الذي جلبتهم الإدارة العامة للأمن لمساعدة رجال الشرطة، ظلا يتفرجان على مشهد السليخ الذي تعرض لها الشرطي دون أن يهبا لمساعدته.

وعلى ذكر جهاز «البلير» وعساكره الثلاثة آلاف الذين ضخهم الجنرال حسني بنسليمان في جهاز الأمن بالدار البيضاء، لا بد أنكم لا زلتم تتذكرون عمود «حاميها حراميها» الذي تطرقت فيه لذلك اللص الذي سرق في الأسبوع الأخير من رمضان ثلاثمائة مائة درهم من حقيبة إحدى السيدات في التوين سانتر، وعندما ألقي عليه القبض اكتشفوا أنه ليس سوى عسكري في جهاز «البلير» الذي تم خلقه أساسا لمكافحة السرقة.

ولمعلوماتكم فهذا العسكري تعرض للطرد من صفوف الجيش مباشرة بعد اعتقاله بتهمة السرقة. وربما سيبدو لكم الأمر منطقيا، عسكري ارتكب مخالفة فطبقت عليه إدارته القانون. لكنكم عندما ستعرفون أن إدارة هذا العسكري لم تصرف له راتبه الهزيل الذي لا يتعدى 1500 درهم طيلة ستة أشهر الأخيرة، فربما ستغيرون رأيكم فيه.
إن إدارة تعرقل رواتب مستخدميها لمدة ستة أشهر هي التي يجب أن تتابع قانونيا بتهمة تحريض مستخدميها على السرقة، وتهديد حياة المدنيين.

ولهذا السبب فإن قرار فصل هذا العسكري من الخدمة العسكرية جعل كثيرين من العسكريين من مختلف الرتب العاملين بجهاز «البلير» يحسدونه على هذه العقوبة. لأن العقوبة الحقيقية هي الوضعية البئيسة التي يعيشونها في الدار البيضاء بعيدا عن أبنائهم وأسرهم. خصوصا بعد حرمانهم من حقهم في العطلة. ويتساءل كثيرون منهم بحسرة عندما يتذكرون أطفالهم :
- واش ولاد المغاربة بشار وحنا ولادنا قرودا...

سؤال مؤلم موجه إلى الجنرال حسني بنسليمان. ربما يكون لديه جواب مناسب عنه.

هاجس الكثير من أفراد هذا الجهاز ليس الطرد، فهذا أجمل ما يتمناه بعضهم، فالهاجس الحقيقي هو عدم قبول طلبات استقالتهم من طرف رؤسائهم. فأغلبهم يعثر على عقود عمل مدنية برواتب أحسن بكثير من ذلك الراتب المخجل الذي يصرف لهم الجيش والذي يدفع ببعضهم إلى الخروج لقطع الطريق على المواطنين من أجل سرقتهم.

بقي أن أخبركم بأن العسكريين اللذين اعتقلا في بويزاكارن وكلميم خلال رمضان بعد أن ضبط الدرك قرابة 11 كيلو من الحشيش في بيت أحدهما، قد حكما بثلاث سنوات سجنا. فيما نزلت على الكولونيل مصطفى النافيعي الذي يشتغلان تحت إمرته عقوبة تأديبية مخففة. أما الجنرال محتان قائد القطاع العسكري بواد درعة، والذي يعمل جميع هؤلاء تحت إمرته، فلم يتوصل ولو بتوبيخ بسيط.

ومن نوادر الجنرال محتان، الذي كان وراء فرض تعيين قريبه محمد محتان كاتبا للدولة في التنمية القروية في الحكومة السابقة، إجباره الجنود عندما كان في الحامية الثامنة على جمع الخبز الكارم من كل الثكنات وبيعه من أجل قتناء البالات والفيسان التي يستعملها الجنود في الحفر. وكأن ميزانية الجيش بالمنطقة الجنوبية ليس فيها شطر مالي مخصص لهذا النوع من المقتنيات.
نتمنى أن لا يقوم سعادة الجنرال بحملة لاستنطاق جنوده ومعاقبتهم بالطرد بتهمة تسريب أخباره للصحافة. ولو أن بعضهم يتمنى فعلا أن يوقع الجنرال بنسليمان قرار طرده اليوم قبل الغد

2007-10-21

حكومة عائلية

بالأمس حكى لي أحد الأصدقاء أنه كان مضطرا لاقتناء دواء لزوجة أحد أقربائه الحامل والمقبلة على الولادة. المشكلة أن لقاح «أنتي دي» غير موجود في جميع صيدليات المغرب. وهذه مناسبة نخبر فيها وزيرة الصحة الجديدة ياسمينة بادو، بأن مئات من الأمهات المقبلات على الولادة الثانية يواجهن خطر موت مواليدهن بسبب غياب هذا الدواء.

المهم، أن هذا المواطن المغربي كان مضطرا لطلب المعونة من صديق يعيش في تطوان ودخل هذا الصديق إلى سبتة واشترى الدواء وأرسله إلى الدار البيضاء ووصل في أقل من أربع وعشرين ساعة ونجت الأم بحياة طفلها.

إذن كان ضروريا لكي تعيش مواطنة مغربية أن تلجأ إلى صيدليات دولة أخرى حتى تشتري دواءها الذي لا يوجد على أرض الوطن. وخلال الأسبوع الماضي أصدر قاض إسباني حكما قضائيا ينص على إجبار مغربي على الخضوع للعلاج في المستشفى بزز منو. ففي إسبانيا العلاج حق من حقوق الإنسان، وليس هناك مريض يلجأ إلى المستشفى ويتم طرده منه بحجة عدم توفره على مصاريف العلاج، كما يحدث عندنا. أكثر من ذلك، فحتى المرضى الذين يرفضون الخضوع للعلاج ويقررون مغادرة المستشفى للتجول رفقة جراثيمهم بحرية في الشارع تخضعهم المحكمة لقرار يقضي بالحكم عليهم بالعلاج المشمول بالنفاذ العاجل حرصا على حياتهم وحياة الآخرين.ولا بد أن كثيرا من المواطنين المغاربة المرضى عندما سيسمعون هذا الخبر سيتمنون لو أنهم جميعهم يتلقون حكما مشابها لهذا الحكم من طرف هذا القاضي الإسباني، ولسان حالهم يقول «أسيدي حكم علينا حتى بالمؤبد فالسبيطار، والله ما يستانف فينا شي واحد».

ومن مكر الصدف أنه في الوقت الذي أصدر فيه هذا القاضي النصراني حكما قضائيا باعتقال المغربي المسلم على ذمة العلاج، أصدرت إدارة مستشفى عين الشق للأمراض الجلدية بالدار البيضاء قرارا يقضي بطرد أكثر من مائة مريض مصاب بالجذام إلى الشارع. والغريب أن الإدارة طردت المرضى وأبقت على مساعدات المحسنين الذين تبرعوا للمرضى حبيسة دواليب الحراسة العامة. وأغلب المرضى الذين طردتهم إدارة المستشفى يوجدون في حالة متطورة من المرض، أي أن الذي اتخذ قرار طردهم لم يكن فقط يهدد حياة هؤلاء المرضى وإنما أيضا حياة المواطنين الذين سيخرجون للعيش بينهم، وأغلبهم ينحدرون من مناطق نائية لا تتوفر فيها مراكز متخصصة لعلاج هذا المرض الجلدي الخطير والمعدي.وهذا ليس بغريب في بلاد تطرد مستشفياتها مرضاها إلى الشارع، وتتركهم يحتضرون أمام أبوابها إلى أن يموتوا مثل القطط الضالة.

ولعل إحصائيات الولادات في سبتة ومليلية تغني عن كل تعليق في هذا المجال، فأغلب الولادات المسجلة في المدينتين هي تحت اسم نساء مغربيات يأتين من كل فج عميق ويدخلن مستشفيات المدينتين ساعات قبل الوضع، فيلدن في شروط إنسانية ويعدن إلى قواعدهن سالمات، وفوق هذا يسمون المدينتين بالسليبتين، ماعرفنا دابا شكون السليبتين، واش سبتة ومليلية ولا تطوان والناظور. وتحكي بعض النساء اللواتي اضطرتهن الظروف إلى الولادة في بعض مستشفيات الضمان الاجتماعي في الدار البيضاء، أنهن يلدن تحت التهديد. وبعضهن يندمن على اليوم الذي فكرن فيه بالحمل أو الزواج حتى. فبعض الممرضات اللواتي لا تكوين لهن واللواتي يخلطن مهنة التمريض بمهنة تاكسالت، يشبعن المرأة الحامل سبا وشتما، ويصرخن فيها «كتعرفو غير تحملو، وملي تجي ساعة الولادة تعطيوها للبكا والنحيط».

ويطلبن منها أن تبلز مولودها بسرعة وإلا فإنهن سيصعدن فوق بطنها ويخرجنه بالقوة. هادا مابقاش سبيطار، هادا درب مولاي الشريف.وفي بعض المستشفيات تضطر الأمهات إلى البقاء يقظات طوال الليل للسهر على حراسة أطفالهن خوفا عليهم من كل القطط السمينة التي تتجول تحت الأسرة. نقول القطط إذا كان المستشفى فيه الضو، أما في المستشفيات المعروفة بخدماتها الممتازة، فالأمر يتعلق بجعبورات من وزن الأرانب، لديها شهية مفرطة للمواليد الجدد بسبب رطوبية اللحم.نعرف أن هذه الحقائق المروعة يمكنها أن تتسبب للموناليزا ياسمينة بادو صاحبة الابتسامة الأبدية في الغثيان.

لكن الله غالب، فهذا هو الوضع في القطاع الذي أسند إليها عباس حقيبته. وعليها أن تنتظر هذه الأيام وصول الأفواج الأولى من المواطنين المصابين بالإسهال والتسمم بسبب المياه الملوثة التي يوزعها عليهم في الخميسات وأزرو وطانطان والجديدة وأزمور وغفساي وتيفلت، زوجها السيد الفاسي الفهري مدير الوكالة الوطنية للماء الصالح للشرب.

ودابا شوفو هاد المصيبة، الراجل كايبيع الما موسخ للناس وملي يمرضو خصهم يشوفو مع السبيطارات ديال مراتو.

هادي هي شي يكوي وشي يبخ.ويبدو أن كثيرا من وزراء حكومة عباس سيحولون وزاراتهم إلى امتداد طبيعي لعائلاتهم. فاليازغي مول الصاكاضو خاوي، عندما جاء بوجهو حمر لتسلم مفاتيح مقر وزارته من يد عباس، جاء مرفقا بالسيدة حرمه سعدة بلافريج. وربما جاءت معه لكي تبخر له الديوان بالجاوي وصلبان حتى لا يضربه العديان بالعين.

فقد كثر المقوصون على اليازغي وكثر حساده الذين يريدون إزالته من منصبه ككاتب عام للحزب وكوزير بدون حقيبة سيتقاضى سبعة ملايين شهريا من أموال دافعي الضرائب دون ان يكون مطالبا بالقيام بأي عمل.وليس اليازغي وحده من جاء بزوجته إلى مقر وزارته، فوزيرة الثقافة السعدية قريطيف جاءت بالأمس إلى مقر الحكومة مرفقة بزوجها عبد الواحد عوزري الذي كان يسير بجانبها وهو يحمل مكانها عراما من الملفات والأوراق، فيما هي اكتفت بحمل صاكها في يدها ونظاراتها الشمسية فوق عينيها. وفي الفترة الأخيرة أصبح ظهور عوزري إلى جانب زوجته الوزيرة أكثر علنية من السابق، فقد رافقها إلى القصر لتسلم قرار تعيينها ورافقها إلى مقر الحكومة لحضور أول مجلس حكومي يعقده عباس، وتروج أخبار قوية مفادها أن السعيدة قريطيف ستعين زوجها مديرا لديوانها.

وإذا صدقت هذه الإشاعة فأنا أقترح عليها أن تنقل مقر الوزارة إلى بيتها بالدار البيضاء وتريح نفسها من عناء التنقل إلى غاية الرباط. ياك غير داك الشي ديال السنيان، يجيب ليها راجلها الضواصا تسنيهم ليه فدارها والسلام.وعلى رأي المثل، فلكل داخل دهشة، وهناك من الوزراء الجدد من لم يغادر بعد مرحلة الدهشة، ومنهم الناطق الرسمي باسم حكومة عباس، خالد الناصري.

فبعد انتهاء المجلس الحكومي الأول جلس الصحافيون ينتظرون سعادة الناطق الرسمي لكي يخبرهم بما راج في المجلس، خصوصا وأن النقط التي كانت في جدول الأعمال مهمة وتتعلق بمشروع قانون المالية لسنة 2008 ودراسة مشروع يتعلق بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الزبدة. لكن يبدو أن حديث مزوار وزير المالية حول الزبدة قد فتح شهية الناطق الرسمي للأكل، فذهب بعد الاجتماع الحكومي لكي يتغذى وترك الصحافيين على جوعهم.شي جايب مراتو للوزارة، شي جايبة راجلها، شي مخلي الصحافيين ومشا ياكل... وحكومة هادي عندك أعباس.

عباس والبيضة فالطاس

أخيرا تدخل القصر لكي يحسم في تشكيلة حكومة عباس. فقد اقتنعوا في السدة العالية أنهم إذا عولوا على عباس الفاسي لكي يشكل لهم الحكومة بمفرده فإنهم سيذبحون خروف العيد الكبير وسيوزعون الشريحة والحقائب الحكومة لم توزع بعد. لذلك فقد استغرب قادة الأحزاب أنفسهم كيف أن أسماء لم يقترحوها في لائحة الحكومة حصلت على حقائب وزارية، فيما بعض الأسماء التي دفعوا لها السيفيات ديالها إلى القصر باكرا لم تحظ بالقبول. واكتشف بعضهم متأخرا بأن الراغبين في دخول الحكومة أصبحوا لا يضعون سيرهم الذاتية في مقرات أحزابهم وإنما يسلمونها مباشرة لمستشاري الملك. فأصبح حالهم مثل حال أولئك العاطلين الذين يتعرضون للملك برسائلهم في الطرقات لطلب الشغل.

والحقيقة أن القصر وجد نفسه أمام لائحة حكومية جاء بها عباس يختلط فيها قادة الأحزاب مع أبنائهم وأصهارهم وذوي ريحة الشحمة فالشاقور، فأعاد القصر اللائحة مصححة ومعدلة وراثيا لعباس الفاسي لكي يعرضها على أصدقائه في الكتلة والأحزاب الأخرى، ناصحين إياه أن يقنعهم بأن أقصى ما يمكن أن يفعلوه لصالحه هو إضافة «باليزة باليزة للمومن» ونبينا عليه السلام.
وعندما كان عباس جالسا ماعليه مابيه في مسجد القرويين بفاس جاءه تلفون من المستشار الملكي مزيان بلفقيه الذي دخل على خط المفاوضات بعد أن غلب محمد معتصم على أمره، وقرأ عليه لائحة الوزراء في التلفون، فارتبك عباس قليلا لكن احتجاجه الوحيد كان على إضافة حقيبة وزارية للأحزاب جميعها ما عدا حزب الاستقلال، زعما علاش هوما وحنا لا. وختم عباس مكالمته بأن وجد للحكومة الجديدة مزية واحدة على الأقل وهي أنهم كثروا فيها النساء.

بعد هذه المكالمة الساخنة تلف الحساب لعباس ولم يعد يدري هل يصلي جمعا أم «قصرا»، فعاد إلى الرباط واجتمع باللجنة التنفيذية لحزبه وأخبرهم أن اللائحة نزلت عليه كالوحي وأنه أصبح كالميت الذي ليس لديه ما يقوله أمام غساله. وطلب منهم أن لا يسألوه من أين جاءته اللائحة. ولا بد أن عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية للحزب ونائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة، والأمين العام لشبيبة الحزب، قد نشف فمه وهو يسمع اسم نوال المتوكل على رأس وزارة الشبيبة والرياضة. فقد كان البقالي يطمع في هذا المنصب ويرى نفسه الأحق به نظرا لتجربته الطويلة على رأس شبيبة الحزب، فالبقالي داير راسو وسط ريوس الشباب رغم أن الشيب غزا كل مكان في رأسه ولحيته. لكن يبدو أن القصر لا يريد إسناد منصب وزاري لمرشح لا يجيد اللغة الفرنسية. خصوصا وأن الاجتماعات الحكومية مكاين غير الفرانسوية. وهي رسالة لكل الذين يرسلون سيرهم الذاتية ويرشحون أنفسهم للوزارة، اللي بغا الوزارة يزيد شوية السوايع ويدير محو الأمية فالفرانسوية.
أما المنصوري زعيم الأحرار فبمجرد ما تلقى هاتف مزيان بلقيه الذي يزف إليه خبر تعيينه رئيسا للبرلمان خلفا للراضي، حتى ناض من مسجد القرويين وجمع قلوعه وسمح في الصلاة وركب سيارته وعاد إلى الرباط وأغلق هاتفه وضرب الطم.

وخلال هذا الوقت فإن زميله العنصر تصمك تصميكة واحدة، وقرر أن يكمدها ويسكت، خصوصا وأن اللائحة أسندت إليه حقيبة على شكل سلة مليئة بالعقارب السامة. فأنت لا تعطي حقيبة وزارة الشغل في بلد كل مشاكله مصدرها قلة الشغل إلا للذي عينك فيه نيت.

والقصر يعرف أن العنصر متخصص فقط في التهديد، لكن عندما يأتي وقت التنفيذ يتراجع إلى الخلف. فقد سبق له أن هدد بمقاطعة الانتخابات عندما تمت متابعة البحراوي عمدة الرباط المنتمي إلى حزبه، ولم ينفذ تهديده. وسبق له أن هدد بنسف الأغلبية إذا لم تسند إليه رئاسة البرلمان، وها نحن نرى أن البرلمان أسندت رئاسته للمنصوري ولم ينفذ العنصر تهديده بالنسف. ولا بد أن العنصر يجهل أن التهديد تهمة يعاقب عليها القانون، والعقاب الذي تقرر في حقه هو إسناد حقيبة الشغل إليه.

وإذا كان مزيان بلفقيه قد وجد عند العنصر آذانا صاغية فإنه لم يكن يتصور أن أحرضان سيستفيق من غيبوبته السياسية لكي ينادي بدخول الحركة الشعبية في صف المعارضة. ورغم تذكيره بسيناريو 1984 الذي دبره له البصري وشتت له بموجبه أركان الحزب، فإن هذا التذكير لم يكن كافيا لكي يبتلع «الزايغ» لسانه. فالزايغ دار يديه ورجليه لكي يضمن لابنه يوسف أحرضان وزارة الطاقة، ليكتشف كيف أن أمينة بنخضرا التي نزلت بالباراشيت على حزب الأحرار، سبقته وطارت على الكرسي.

أما الغاضب الأكبر من هذه الوزيعة الحكومية فهو حزب الاتحاد الاشتراكي. خصوصا بعد حصول كاتبه العام محمد اليازغي على أكبر إهانة في حياته وهي وزارة دولة بدون حقيبة. فقد كان الاتحاديون يسخرون من عباس الفاسي الذي كان يحمل حقيبة فارغة، فأحياهم الله حتى رأوا كاتبهم العام يحمل واحدة مثلها. وبعض الشامتين في صفوف الغاضبين وسط حزب الاتحاد الاشتراكي أطلقوا على حقيبة اليازغي اسم الصاكاضو. ولذلك فإن الغضب الاتحادي على لائحة عباس وصل ليلة الخميس إلى أقصى درجاته، وتقرر في شبه إجماع قبول الحقائب والصاكاضو ورفض الأسماء التي تقترحها اللائحة وإعادتها إلى عباس والتلويح بالعودة إلى المعارضة. وحتى على مستوى الإعلام الحزبي هناك اتجاه نحو توقيف جريدة الاتحاد الاشتراكي وتعويضها بجريدة المحرر التي سبق للنظام أن منعها أيام المعارضة. زعما على سبيل تسخين الطرح.

وإذا كان أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي قد رفضوا لائحة عباس بسبب منح أسماء بعينها حقائب وزارية، فإن اليازغي لديه سبب شخصي لرفض عرض عباس، وهو تضمن الحكومة المقترحة لاسم محمد الكحص ككاتب للدولة في الخارجية. وقد صدم اليازغي عندما اكتشف أن عدوه اللدود الذي لم يقترحه في لائحة وزرائه سيقاسمه المجالس الحكومية المقبلة. والحقيقة أن اليازغي لم يعد يعرف ماذا يصنع لكي يتخلص من الكحص، فقد منعه من انتقاده داخل الحزب، ومنعه من انتقاده في التلفزيون. ومع ذلك هاهو يخرج لليازغي من الجنب ويضمن كرسيه في حكومة تقترح على هذا الأخير حقيبة فارغة. غير إلى مابغاش يحماق وصافي.

ومن الأسماء التي راجت في الكواليس مساء يوم الخميس، اسم ثريا جبران كوزيرة للثقافة عن الاتحاد الاشتراكي. رغم أن ثريا جبران (واسمها الحقيقي هو السعدية قريطيف)، قالت في آخر حوار لها مع إحدى المجلات أنها لم تعد تنتمي إلى الاتحاد الاشتراكي. وقد شاهدها الجميع في حملة نبيل بنعبد الله، وسابقا في حملة محمد الأشعري. هم جميعهم تكردعو في الوصول إلى البرلمان، فيما هي قد تتجاوزهم وتصل إلى الحكومة.

أما نبيل بنعبد الله، فقد سل شوكته بلا دم، وقال أنه لم يعد يفكر في الوزارة، ربما لأنه تلقى وعدا بتنصيبه على رأس وكالة ملحقة بالوزارة الأولى مهمتها تسويق الإنجازات الحكومية وإقناع الرأي العام بجدواها.

الرجل فشل في أن يقنع بضعة آلاف من المواطنين في تمارة ببرنامج حزبه السياسي في الانتخابات، وتنتظر منه الوزارة الأولى أن يقنع ثلاثين مليون مواطن ببرنامج الحكومة السياسي.
وكولو باز.

2007-10-15

مواطنون اللاروب

قبل أسبوع وقعت حادثة اعتداء بشارع مولاي يوسف بالدار البيضاء بالقرب من المدرسة اليهودية. وعندما نسمع حادثة اعتداء يذهب ذهننا مباشرة إلى اعتداء لص أو منحرف على مواطن، لكن ما وقع عصر ذلك اليوم عكس هذه الآية. فالذي تعرض لاعتداء هو رجل أمن كان يحرس المنطقة على يد حاخام يهودي مغربي يدعى إسحاق. والحكاية بدأت عندما طلب الشرطي من ابن الحاخام التوقف عن العبث بالحواجز الأمنية المنتشرة بالمنطقة، فما كان من الطفل إلا ركل الشرطي وهرب نحو والده، الذي لم يترك مجالا للشرطي لكي يشرح له ما وقع، فانهال عليه بالشتم والسب، وشنق عليه أمام الناس ومزق قميصه. وعندما رأى المواطنون الذين كانوا مارين بالمنطقة منظر الشرطي (ض.ي) وهو يحاول مستسلما أن يتجنب لطمات الحاخام استنكروا الأمر وحاول بعضهم التدخل لثني الحاخام عن غيه مرددين «اللهم إن هذا منكر». وهنا أصبح الشرطي المسكين يقوم بمهمتين، مهمة حماية وجهه وسلاحه وتحمل ضصارة الحاخام ومهمة حماية الحاخام من غضب المواطنين الذين كان بعضهم يريد الاعتداء عليه. فالشرطي يعرف أن الحاخام إذا تعرض لمكروه فإنه هو الذي ستمشي على عينيه ضبابة، لأنه هو المكلف بحماية المدرسة اليهودية ومرتاديها.

المهم أن الشرطي والحاخام انتهيا في ولاية الأمن بعد أن حضرت عناصر الدائرة الأمنية السادسة، وبدا منظر الشرطي حزينا، خصوصا بعد أن ظهرت ضلوع صدره من وراء القميص الممزق، وتطوع عدد من الحاضرين للإدلاء بشهادتهم لوجه الله.
عندما تم تحرير المحضر صدر أمر من النيابة العامة بالإبقاء على الحاخام وابنه رهن الحراسة النظرية، لكن هذه الحراسة النظرية لم تدم سوى ساعات لكي يغادر إسحاق وابنه مقر الأمن بأمر من وكيل الملك. وبدأت تتهاطل على الشرطي المعتدى عليه مكالمات واتصالات كثيرة تطالبه بالتنازل عن حقه في المتابعة.

ماذا نفهم من خلال هذه الحادثة التي حضرها شهود وقدموا حولها شهادتهم للأمن. نفهم أن المغاربة ليسوا سواسية أمام القانون. السيد إسحاق مواطن مغربي يسري عليه القانون المغربي، وإذا أهان رجل أمن أثناء أدائه لوظيفته فالقانون واضح في هذا الباب ويجب أن يطبق عليه كما يطبق على الآخرين. وأمام المحكمة بالدار البيضاء تروج منذ أسابيع قضية المصور الصحافي مراد بورجة مدير وكالة آيس بريس الذي يدعي أحد رجال الشرطة بأن مراد اعتدى عليه أثناء أدائه لمهامه. فلماذا يتم استدعاء مراد للمحاكمة في الوقت الذي تغض فيه العدالة الطرف عن إسحاق، مع أنهما مغربيين.

يبدو أن تهمة إهانة موظف أثناء أدائه لمهمته لا تسري سوى على الصحافيين الذين يريدون أداء مهامهم وعلى معتقلي صفرو الذين يبردون عظامهم في حبس عين قادوس بفاس بانتظار محاكمتهم. أما السيد إسحاق فلديه من يحمي ظهره حتى ولو مزق بذلة شرطي وعرى ظهره أمام المواطنين في الشارع العام.

القيمة الحقيقية للمواطن المغربي في عين مسؤوليه تظهر جليا عندما نقارن بين الحادثة الإجرامية التي ذهبت ضحيتها مواطنة فرنسية بداية هذا الأسبوع في المحمدية، وبين الحوادث الإجرامية الكثيرة التي يذهب ضحيتها مواطنون مغاربة.

فبمجرد ما هاجم لص المواطنة الفرنسية بالقرب من مدرسة كلود موني بالسلاح الأبيض وفتح بطنها، حتى تم نقلها على وجه السرعة إلى مصحة أنفا الخاصة وشملتها العناية الطبية السريعة والصارمة. وهذا سلوك حضاري وواجب إنساني لا نملك غير الانحناء احتراما للذين سهروا على تطبيقه. والواقع أننا نحلم أن تشمل هذه المعاملة الطبية والأمنية الإنسانية جميع السكان المغاربة بغض النظر عن جنسياتهم أو ديانتهم. وفي الوقت الذي كانت فيه الشرطة والطاقم الطبي بالمحمدية في قمة الإستنفار لإنقاذ حياة المواطنة الفرنسية، كانت بلا شك حياة العشرات من المغاربة تزهق أمام أبواب المستشفيات المغلقة دونهم، وعلى قارعة الطرقات بانتظار سيارة إسعاف لم تجد وقودا في خزانها لكي تتنقل إلى موقع الحادثة. تصوروا أن عامل المحمدية كلف نفسه مغادرة مكتبه والذهاب للاطمئنان بنفسه على صحة المواطنة الفرنسية في المصحة. هل كان سيصنع ذلك لو أن الضحية تلك الليلة كانت واحدة من سكان القصبة أو دوار القراعي بالمحمدية. لا أعتقد.

ظاهرة الاعتداء على رجال الأمن دون خوف من المتابعة أصبحت شيئا مألوفا في المغرب، ولعل أكبر مثال على هذه الضصارة ما قامت به مريم بنجلون عندما دهست شرطية مرور في العاصمة بعد أن أوقفتها وطلبت منها أوراق السيارة. وآخر حادث عرفته الدار البيضاء بهذا الخصوص كان عندما اجتمع أفراد عائلة واحدة حول شرطي و«دارو عليه يد من الفوقانية»، فأشبعوه ضربا وحجزوا سلاحه ومينوطه.
وعندما اعتقلت الشرطة الجناة بدأت الاتصالات لتهدئة الوضع ومطالبة الشرطي بالتنازل عن الشكاية، واتضح أن رب الأسرة ليس سوى سائق حافلة لفريق كروي مشهور وكبير في الدار البيضاء لديه أذرع طويلة ومعارف في كل مكان.

لكن الله يمهل ولا يهمل. ولعل الحارس الشخصي للملك خالد فكري لم يكن يتوقع أن ينهي شهر رمضان معاقبا مغضوبا عليه مصلع الرأس في المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بعد أن أراد الانحناء لتقبيل يد الملك في قصره فسقط منه هاتفه المحمول وانفضح أمره أمام الملك. فالضوابط الأمنية داخل القصر الملكي تقتضي أن لا يحمل حراس الملك هواتف شخصية.

ولا بد أن السيد خالد فكري يتذكر دعوة المظلوم التي أطلقها ذلك الشرطي حارس الأمن بالدار البيضاء الذي تسبب هو والجعيدي في إبعاده بداية شهر رمضان إلى المعهد الملكي بالقنيطرة من أجل قضاء فترة تأهيل وإدماج عقابا له على خطأ تافه لم يرتكبه، حارمين إياه من قضاء شهر رمضان مع عائلته الصغيرة. وها قد أحيا الله خالد فكري إلى أن نال العقاب نفسه الذي ناله حارس الأمن البسيط في الدار البيضاء،

وأصبح فكري مجبرا على ختم شهر رمضان إلى جانب حارس الأمن المبعد في المركز نفسه، بعيدا عن زوجته وابنته التي رأت النور منذ أقل من شهر.

إننا ما زلنا بعيدين عن دولة الحق والقانون. ولذلك فإن المش اللي حكر على شي فار كايقطع ليه ديلو، وكية اللي جات فيه. ولكي يتعلم مسؤولونا الكبار والصغار احترام القانون بغض النظر عن الشهرة والمكانة الاجتماعية والثراء، ما عليهم سوى أن يتأملوا الدرس الذي أعطاه ليوناردو دي كابريو قبل أمس لوزير الاتصال نبيل بنعبد الله عندما جلس هذا الأخير بانتظار الممثل العالمي في بهو الفندق لمجرد أن يأخذ معه صورة تذكارية. فما كان من ليوناردو دي كابريو سوى أن اعتذر لسعادة الوزير بأدب وأفهمه أن عقده مع مخرج الفيلم لا يسمح له بالتقاط الصور مع الغرباء.

ربما اعتقد نبيل بنعبد الله أن ليوناردو دي كابريو هو هيفاء وهبي التي لصق بجانبها في باخرة طنجة قبل أشهر والتقط معها الصور التذكارية. وربما اعتقد أنه لمجرد كونه وزير في الحكومة فإن ليوناردو ديكابريو سيقبل مسرورا أن يلتقط معه صورة تذكارية.
ربما فقط اعتقد نبيل بنعبد الله أنه لمجرد كونه نجح في جمع ثمانين فنانا حوله على رأسهم رشيد الوالي في حملته الانتخابية الفاشلة، فإنه سينجح في إقناع ليوناردو ديكابريو بالوقوف إلى جانبه والسماح له بالتقاط صورة.
تسحابيه الخياري، هادا راه ديكابريو وأجرك عالله

2007-10-11

جرب أن تكون بغلا

خلال هذا الشهر المبارك نظم مجموعة من الأطباء المغاربة والأجانب حملة لتقديم الرعاية الصحية للمرضى والمتشردين المتخلى عنهم في مدينة الصويرة. وهكذا فقد تم إجراء 43 عملية جراحية مجانية وتلقى 25 مريضا علاجات مختلفة، كما استفاد عدد غير محدود من المشردين من الرعاية الغذائية.

ولا بد أنكم تتساءلون عن المقاييس التي اعتمدها هؤلاء الأطباء الطيبون في اختيار مرضاهم، وكم ستندهشون عندما ستعرفون أن الشرط الأساسي للاستفادة من هذه الخدمات الطبية الإنسانية هو أن تكون قطا. نعم، مش أو مشة. فالفريق الطبي وضع نصب عينه تقديم التغطية الصحية للقطط الضالة في الصويرة التي تعاني من انتشار كبير لهذا النوع من المشاش.

لا بد أن أكثر من مريض سيتمنى لو أنه كان مشا تائها في أزقة الصويرة حتى تتسنى له الاستفادة من عملية جراحية مجانية أو يعلق قرعة من الصيروم فابور، أو يأخذ مجرد قرص أسبيرين يخفف به ألمه.

أتذكر عندما كتبت مقالا حول الفندق الأمريكي الذي يوجد بفاس، وهو مستشفى بيطري يشرف عليه أحد الأجانب الكنديين، يعيش بفضل دعم المؤسسات الأجنبية. وعندما تحدثت عن الحمير والبغال الفاسية التي تتلقى الرعاية الصحية بالمجان في الفندق الأمريكي، وكيف أن الفندق اشترى آلات طبية جديدة لإجراء تحاليل الدم والقيام بالصور الإشعاعية للحيوانات المريضة، راسلني أكثر من مواطن يسألني هل هناك إمكانية لدخول هذا الفندق الحيواني والاستفادة من خدماته الطبية المجانية. لأن الخدمات الطبية بمستشفى الغساسي بفاس متدهورة جدا ومؤدى عنها مع ذلك، وإذا أردت أن تجري عملية جراحية فإنهم يطلبون منك أن تأتي معك بالخيط والبنج والبيطادين، وأحيانا بالطبيب الذي سيفتحك. وفوق هذا كله يجب أن تطلب زهرك لكي تخرج حيا ترزق من غرفة العمليات.

فأجبت هؤلاء المواطنين المرضى بأن الفندق الأمريكي لا يقبل سوى البغال والحمير، فهذان الحيوانان هما اللذان يسمح لهما بالاستفادة من راديو الأشعة وتحاليل الدم والعمليات الجراحية مجانا. وبين فترة وأخرى يسمح لبعض الأبقار والعجول والأغنام والكلاب الضالة بالدخول لتلقي العلاج والاستفادة من ميزانية الفندق التي تصل إلى أربعة ملايين درهم سنويا تصرف لتقديم العلاج لحوالي 86 حيوانا يوميا. دون حاجة إلى تقديم شهادة الضعف طبعا.

ولعل عناية الفندق بالبغال بدرجة أهم تكشف أهمية البغل الفاسي في الرواج الاقتصادي بالمدينة القديمة. فهناك أزقة لا يستطيع عبورها سوى البغال وهي محملة بالبضائع التي تبيعها المحلات التجارية والدكاكين هناك. وبسبب عدم احترام أصحاب شركة كوكا كولا للوزن القانوني وتسببهم في جراح بليغة لبعض البغال بسبب الصناديق، فقد سبق لمدير الفندق أن رفع دعوى قضائية ضد كوكا كولا يطالبها بتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه للبغال. أما عمال شركة كوكا كولا عندما احتجوا في الدار البيضاء على طول ساعات العمل وقلة التعويضات فقد أحضرت لهم الشركة عمال حراسة مدججين بالكلاب وهاجموهم بالليل وهم نيام. شكون فينا اللي بغل ديال بصح دابا.
ورغم كل ما يقوم به هذا الفندق الذي بدأ نشاطه الطبي منذ سنة 1929، أي في زمن كان فيه المغاربة لا يعرفون الفرق بين الطبيب وبائع صيكوك، فإن الحكومة المغربية لا تعترف به. فمنذ سنة 1998 وطلب الاعتراف موضوع فوق مكتب الوزير الأول، لكن دون جواب. كما أن وزارة الفلاحة لا تسمح له باستيراد الأدوية من الخارج.

وما أثار انتباهي شخصيا هو ذلك الشعور الإنساني الراقي الذي يتحدث به مدير الفندق عن مرضاه من الحيوانات. وهو شعور يفتقد إليه بعض الأطباء ومدراء المصحات الخاصة الذين يستقبلون البشر وليس الحيوانات. ولعل أكثر ما يؤثر في نفسه هو عندما يرى صاحب بغل أو حمار يضطر دابته للعمل بمجرد ما تغادر أسوار الفندق، يعني أن بعض مالكي الدواب لا يحترمون فترة النقاهة التي تتطلبها الحالة الصحية لدوابهم، ويستعجلون حمل الأثقال على ظهرها بمجرد وقوفها على قوائمها. ويحكي مدير الفندق أنه استدعى الشرطة أكثر من مرة لمنع بعض مالكي الدواب من اقتحام الفندق لإخراج حميرهم وبغالهم لإجبارها على العمل دون احترام فترة نقاهتها. في بعض المصحات الخاصة والمستشفيات العمومية يستدعون الشرطة والأمن الخاص لإخراج المرضى عندما يتأكدون من أن جيوبهم ليس فيها ما يكفي لدفع مصاريف علاجهم. وكم من مريض أخرجوه ورموه أمام باب المستشفى وتركوه يحتضر ببطء إلى أن مات مثل قط متشرد. عفوا، فحتى القطط المتشردة أصبحت لا تموت في المغرب، والدليل على ذلك أنهم في الصويرة يبحثون عنها بالريق الناشف لتقديم المساعدة الطبية لها.

ومن شدة حرص الوزير الأول المعين عباس الفاسي (من العين وليس التعيين)، على صحة المغاربة فقد فكر في تحويل وزارة الصحة إلى مجرد كتابة في الدولة ملحقة بوزارة ستتسلمها الوزيرة الضاحكة ياسمينة بادو. ومن المنتظر أن يتسلم نص وزارة هذه كاتب الدولة الماشط شعره بالدهنة سعيد أولباشا.

وهكذا ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه المغاربة إصلاح قطاع الصحة العمومية وتقوية مكانتها ومضاعفة الغلاف المالي المرصود لها، نرى كيف أنها ستتراجع إلى الخلف لكي تفسح المجال أمام لوبيات القطاع الخاص لكي يتفننوا في جزارة المواطنين وتعليقهم من كراعيهم.
وهي مناسبة أمام الدكتور سعيد أولباشا لكي يعيد فتح عيادته الطبية الخاصة في الرباط، والتي أغلقها بعد توليه مسؤولية كتابة الدولة في التكوين المهني وإنعاش الشغل. فهذه فرصة لا تعوض لكي ينعش سعادة الدكتور الشغل في عيادته بعدما ينجح في انتزاع حقيبة كتابة الدولة في الصحة. وكما يقول المثل «الساقي يسقي راسو».

ولعل أكبر دليل على أن وزارة الصحة تتعامل مع صحة المواطنين باستخفاف كبير هو فرضها مباراة الدخول على الممرضين المجازين خريجي معاهد تأهيل الأطر لاختيار بضعة عشرات من آلاف الخريجين، مع أن مستشفيات المملكة بحاجة إليهم جميعهم. ولعل بيد الله استوعب رسالة المقاطعة التي بعثها إليه هؤلاء الممرضون عندما امتنعوا عن اجتياز المباراة. وإذا كانت هذه المقاطعة قد مرت بسلام في بعض المدن إلا أنها في العيون كلفت خريجي معهد تأهيل الأطر هناك خمسا وعشرين حالة كسر وجرح في أوساط الخريجات، من بينهن ثلاث خريجات حوامل لم تحترم قوات التدخل السريع وضعهن الإنساني. زيادة على اعتقال خريجتين ووالدة إحداهن وإشباعهن سبا وشتما.

فيبدو أن وزارة الصحة تريد أن تهمش الممرضين المهنيين، وتشجع المستشفيات العمومية والخاصة على تشغيل ممرضات وممرضين لا
علاقة لهم بالمهنة يخلطون قراعي الصيروم بقراعي سانيكروا. وأعرف مصحة خاصة في الرباط تشغل ممرضات كن إلى وقت قريب عاملات نظافة في المصحة، قبل أن تتم ترقيتهن إلى منصب ممرضات يضربن الشوكة للمرضى بعد أن كن يضربن الجفاف.

وعندما تسمع مثلا أن مندوب وزارة الصحة بالفنيدق، والذي ليس شخصا آخر غير ابن أخت الشيخ بيد الله وزير الصحة، فتح منذ أسبوع مريضة في الستين من عمرها قبل أن يكتشف أنه أخطأ التشخيص وأنه مطالب بخياطتها على وجه السرعة ليتركها في حالة مزرية، تكتشف أنه ليس فقط هناك هواة بين الممرضين والممرضات، ولكن أيضا حتى بين الأطباء.
الحاصول فهاد البلاد اللهم ملقاك فالفندق مع البغال والحمير ولا ملقاك مع شي أطباء وفراملية فشي سبيطارات

حاميها حراميها

خلال شهر رمضان يكثر كل شيء، الأكل والرياضة والسهر، ويطيح الإيمان على بعضهم طيحة واحدة حتى لكأنك تحسبهم من أولياء الله الصالحين. وفي رمضان تكثر الشفرة أيضا. وخصوصا بين العصر والمغرب، حيث يكون الإنسان منهك القوى وذهنه خارج التغطية. حتى أصبحت بمجرد ما تلتقي صديقا أو صديقة وتسأله لماذا هاتفه مغلق باستمرار فيقول لك :
- علاه مافراسكش ؟
- آشنو مافراسيش ؟
- كشطوني ولاد الحرام...

هذه هي الجملة التي نسمعها تتردد هذه الأيام. وبالأمس فقط وفي قلب الدار البيضاء، بداخل أحد متاجر بناية التوين سانتر، اكتشفت سيدة تقطن بشارع أنفا أن لصا سرق منها 300 درهم وأطلق ساقيه للريح. ولحسن حظ السيدة أن عناصر الأمن الخاص بالتوين سانتر بمساعدة دورية للشرطة استطاعوا محاصرة اللص واعتقاله. إلى هنا يبدو الخبر عاديا وليس فيه ما يثير، فمثل هذه السرقات تحدث بالعشرات يوميا في كل مدن المملكة الشريفة.

اسمعوا وبعد ذلك يمكنكم أن تنتفوا شعوركم إذا أردتم. المهم اقتاد عناصر الشرطة اللص إلى مركز الأمن للتحقق من هويته. فماذا اكتشفوا يا ترى، هنا الطامة الكبرى. لقد اكتشفوا أن اللص المدعو م.ب ليس سوى عنصر من عناصر اللواء الخفيف الخامس لثكنة «اللايا» المشكلة لجهاز «البيلر». وهو الجهاز المكون من العسكر الذين تم إدماجهم ضمن عناصر الشرطة لتشكيل دوريات أمنية للمحافظة على أرواح المواطنين وممتلكاتهم من اللصوص والمجرمين.

جميعكم ستقولون اللهم إن هذا لمنكر، لقد أصبح حاميها حراميها. من حقكم ذلك، لكن تعالوا نتأمل قليلا السبب الحقيقي الذي دفع بهذا العسكري إلى التحول فجأة إلى نشال. فالذين قرروا تطبيق تجربة إدماج العسكر ضمن رجال الشرطة لتشكيل دوريات للمحافظة على الأمن، كان همهم الوحيد هو تعزيز القبضة الحديدية حول الدار البيضاء خوفا من اندلاع حركات احتجاجية قد تتطور إلى انتفاضات شعبية تصعب السيطرة عليها. لكنهم نسوا أنهم بتنقيلهم لهؤلاء العسكر من الثكنات التي كانوا يأكلون فيها بالمجان إلى الشارع وحرمانهم من تعويض الكوزينة، وإعطائهم راتبا شهريا لا يتعدى ألفي درهم، فإنهم يطلبون منهم بشكل أو بآخر أن يكملوا الشهر من جيوب المواطنين. وهذا بالضبط ما قام به العسكري ب.م في متجر التوين سانتر. وأنا هنا لست بصدد تبرير ما قام به هذا العسكري اللص، وإنما فقط أريد أن أقول أن الذين يصرفون مثل هذه الرواتب للعسكر ويأتون بهم من ثكناتهم البعيدة إلى الدار البيضاء التي نعرف كلنا مستوى العيش المكلف فيها، هم أيضا مسؤولون
عن السرقة التي تعرضت لها هذه السيدة.

تجربة إدماج العسكر الذين لا تجربة لهم في إدارة الأمن المدني ضمن الشرطة تجربة أخرى فاشلة يجربها الشرقي أضريص على شاكلة تجربة كرواتيا الفاشلة التي جربها الجنرال العنيكري في المواطنين.

وكلنا نتذكر الصراط المستقيم الذي كان يعيشه المواطنون مع عناصر شرطة كرواتيا التي تحولت إلى عصابات لقطاع الطرق تقود سيارات
كات كات ودراجات نارية تلاحق المواطنين لتنزل عليهم الباطل وتسلبهم أموالهم، حتى أن منهم من كان يطمع في الصرف ويقبل بأخذ درهمين أو ثلاثة، خصوصا من عند المراهقين الذين «يضبطونهم» عائدين مع صديقاتهم من الثانوية في حالة تلبس بتبادل الحديث.

وطبعا فالشروط المهنية التي كان يشتغل فيها عناصر شرطة كرواتيا كانت شروطا مهينة، وقد كان الوحيد الذي استفاد من «صفقة» كرواتيا هو الجنرال العنيكري، خصوصا عندما نتذكر حجم ذلك الأسطول الضخم من السيارات الرباعية الدفع والدراجات النارية والألبسة التي يعرف الجميع اسم صاحبة الشركة التي رست عليها الصفقة وعلاقتها العائلية بزميل الجنرال.

هناك مؤسسات عمومية وشركات خاصة تدفع لموظفيها ومستخدميها رواتب مخجلة وعندما تكتشف أن هؤلاء الموظفين والمستخدمين يسرقون لإتمام الشهر تستغرب وتندهش لجشع هؤلاء المستخدمين.

وقبل يومين في مطار محمد الخامس الدولي اضطر رجال الأمن إلى تعرية جميع مستخدمي شركة تنظيف تعمل بالمطار، ولم يسمحوا لهم بالبقاء سوى بالسليب. والسبب وراء هذا الستريبتيز الأمني هو أن إحدى الأميرات اشتكت من ضياع أشياء تخصها في المطار. فعمت حالة استنفار شديد بحثا عن مسروقات الأميرة. وإلى حدود الآن لم يعثروا في المطار سوى على مسدس معبأ بست رصاصات وسكين مُتخلى عنه قرب أحد أبواب الولوج إلى بهو منطقة المغادرة بمطار محمد الخامس الدولي، وهي منطقة متميزة بقلة حركة ومرور الراجلين.

ويعتقد بأن صاحب المسدس كان يخطط لتنفيذ عمل تخريبي على متن إحدى الرحلات الجوية، لكن يبدو أنه عندما اكتشف توفر المصالح الأمنية على جهاز كاشف للمعادن أثناء ولوج كل المداخل المؤدية إلى قلب المطار، اضطر إلى أن يتخلى عن سلاحه في آخر لحظة. وقد صادف اكتشاف هذا المسدس رحلة جوية تقوم بها الخطوط الجوية الملكية كل أربعاء من مطار محمد الخامس إلى نيويورك.
وإذا كان العسكري في الدار البيضاء يقوم في أوقات الفراغ بزيادة السوايع في النشل، فإن عسكريين آخرين في بويزاكارن تفرغا بشكل كلي لبيع الزطلة لعساكرية القشلة.

والحكاية وما فيها، والتي يضرب عليها الطم الجنرال بناني حاكم منطقة الجنوب، هي أن رجال الجنرال حسني بنسليمان اعتقلوا عسكريا برتبة «جندي بسيط» ينتمي للفوج الثالث للدخيرة بعد أن عثروا تحت زليج بيته على حوالي 12 كيلو من الزطلة مخبأة بعناية. واعتقلوا جنديا آخر برتبة رقيب كان يزود قشالي كلميم بالزطلة. وقد بدآ هاذان العسكريان نشاطهما قبل سنة بالبيع بالتقسيط، وعندما ازدهرت الحركة بدئا يتاجران بالجملة ويغطيان المنطقة الجنوبية بالزطلة، بلا خبار الجنرال بناني. وربما بخبار الكولونيل العقيد مصطفى النافيعي الذي يستغرب الجميع كيف لم يتناهى إلى علمه طيلة سنة كاملة أن عسكريين من رجاله لا يأتيان إلى القشلة للعمل مثل الآخرين. هو الذي يرفض رفضا قاطعا حتى إعطاء برمسيون نصف يوم لجنوده.

وحتى إذا كان سعادة الكولونيل في دار غفلون، فإن درهم ديال الجاوي تستطيع أن تبخر بويزاكارن وكلميم من أقصاها إلى أدناها. والجميع كان يعرف أن هذان الجنديين متفرغان لتموين الجنود بالزطلة. والدليل على ذلك أن رجال الدرك الملكي الذين حققوا في هذه الفضيحة عثروا في بيت الجنديين على شيكات بأسماء جنود وقعوها لهم مقابل اقتناء الزطلة.
ففي بعض القشالي بالجنوب إذا لم «يتكيف» الجنود مع الجو فيمكنهم أن يفقدوا عقولهم بسبب التغذية السيئة والمعاملة الأسوأ والراتب المخجل.
وكما يزيد السوايع العسكر في النشل بالدار البيضاء، ويزيد الدرك السوايع في النشل في طرق الممكلة، هناك أيضا من يزيد السوايع في بيع الزطلة، باش تكمل الباهية.
عولنا بكري على الأمن يحمينا

2007-10-05

حكومة سيدنا قدر

رغم كل النداءات بوقف مشروع استغلال مياه عين قرية بنصميم، ورغم احتجاجات السكان التي انتهت باعتقال بعضهم وتقديمهم إلى المحاكمة، شرعت الشركة الفرنسية المغربية المختلطة في استكمال مشروع استغلال مياه العين تجاريا.

من حيث المبدأ الشركة لديها كل التراخيص والوثائق القانونية التي تسمح لها باستغلال ماء العين. وحتى وزارة الصحة التي وقعت لها على الموافقة ليس عليها عتاب، لأنها راعت شروط السلامة الصحية في المشروع. الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في تفويت مياه عين استغلها السكان لسنوات في الشرب والري هي وزارة الماء التي يتولى حقيبتها محمد اليازغي. فقد وافقت وزارته على حرمان هؤلاء السكان من مياه العين الوحيدة في المنطقة لصالح شركة رأسمالية تبحث عن الربح. والكارثة ليست هي أن وزارة الماء قبلت بإعطاء موافقتها لشركة رأسمالية لاستغلال مياه العين فقط، ولكن لأن هذا القرار صدر عن وزير يقود حزبا يتبنى أفكارا اشتراكية، ويحمل اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وهكذا نجد أن زعيم حزب القوات الشعبية يوقع على قرار ضد القوات الشعبية لصالح القوات الرأسمالية.

هذا ليس غريبا على حزب ظل يتبنى الاشتراكية العلمية أيام المعارضة وعندما وصل إلى الحكومة طبق وزيره في المالية لب الفلسفة الرأسمالية وخوصص وباع في المزاد العلني كل مؤسسات الدولة.

يجب أن يعرف سكان بنصميم أن المسؤول عن معاناتهم ليست هي الشركة التي بدأت تستغل مياههم ولا وزارة الصحة التي منحت الشركة ترخيصا لاستغلال المياه، وإنما المسؤول الأول عن معاناتهم اليوم هو محمد اليازغي وزير البيئة وإعداد التراب الوطني والماء. لقد أحيانا الله حتى أصبحنا نرى الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي يقف إلى جانب مصالح الشركات الرأسمالية ضدا على مصالح القوات الشعبية التي حملته إلى الحكومة وأعطته المرتبة الأولى في انتخابات 2002. وفوق هذا كله يتساءل سعادة الأمين العام لماذا عاقبه المغاربة في الانتخابات.

هناك اليوم رجال ونساء متابعون أمام القضاء بتهمة الدفاع عن مائهم في بنصميم. كل ذنبهم أنهم خرجوا لكي يحتجوا على هذا القرار الذي سيمنعهم من مصدر المياه الوحيد في قريتهم. ويجب أن يشعر اليازغي بالخجل لأنه كان السبب وراء اعتقال هؤلاء الأبرياء. كما أن الذين سيشربون مياه هذه العين المعدنية التي ستطرح في الأسواق خلال النصف الثاني من السنة المقبلة، يجب أن يضعوا في اعتبارهم أنهم سيشربون مياها ممزوجة بدموع الأمهات اللواتي اعتقل أبناؤهن، وبعرق الرجال الذين ظلوا يصرخون تحت الشمس دفاعا عن حقهم الطبيعي في الماء.
لكن هيهات أن يشعر اليازغي بالخجل، فهو مشغول هذه الأيام في المشاورات الحكومية وليس لديه الوقت لأي شعور آخر غير الطمع. الطمع في حقيبة وزارية جديدة له وللمقربين منه.

ويبدو أن هذا الطمع ليس حكرا على اليازغي وحده، وإنما على جميع أحزاب الكتلة. مما تسبب لعباس الفاسي في طلوع حاد في السكر قد يعصف بالمشاورات. فأحزاب الكتلة تطالبه بالمزيد من الحقائب وعباس يقول لهم أن سيدنا هاد الشي اللي عطاه. ولكي يطفئ شهية الطمع أخبرهم بأنه التقى مستشار الملك محمد معتصم وأخبره بأن الإخوة في الأحزاب كروشهم كبار ويريدون المزيد من الحقائب. فالطمع الحزبي أعمى الجميع، ولم يعد الصديق يحن في صديقه وتنكر الرفيق للرفيق. والدليل على ذلك أن إدريس لشكر الذي كان بمثابة الحصن الحصين بالنسبة لليازغي شعشع عليه في اجتماع حزبي بالرباط بعد أن أطلع اللجنة المركزية للحزب على تشكيلة الحكومة الأولية والتي لا يوجد فيها أثر لأسماء المكردعين في الانتخابات الأخيرة، وطالبه بحقيبة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان. وطالب والعلو ببقاء الحبيب المالكي في التعليم والأشعري، الذي قام بحملته الانتخابية بسيارات الكات كات وتكردع، في الثقافة، وطالب المالكي والأشعري ببقاء والعلو في المالية.

مشاورات مثل هذه لا بد أن ترفع السكر في دم عباس الفاسي الذي لا يتحرك في سيارته إلا وخناشي الدواء والحلويات بجانبه. والواقع أن عباس الفاسي كان محتاجا لتدخل إدريس جطو لإنقاذه في الوقت المناسب من هذه الحريرة التي بدأت رائحة الحموضية تفوح منها. وهكذا تدخل جطو بخيط أبيض بين الأطراف المتصارعة حول الكعكة الحكومية، والجميع ينتظر أن يعلن عباس عن تشكيل حكومته ليلة سبعة وعشرين، وهكذا سيستحق عباس الفاسي أن تحمل حكومته لقب حكومة سيدنا قدر عن جدارة واستحقاق.
ولعل العياء الذي ظهر على عباس الفاسي خلال إدارته لمشاورات تشكيل الحكومة يكشف عن نقاش مهم يتجنب الجميع طرحهن، وهو الحالة الصحية للوزير الأول.

ولعل جميع وزراء الحكومة يتذكرون اليوم الذي كانوا فيه واقفين لحضور مراسيم استقبال الملك للرئيس الروسي بوتين قبل سنة تقريبا، فانهار عباس الفاسي وسقط أرضا على بعد أمتار قليلة من بوتين على أرضية المطار، وحمله الحرس الخاص بعيدا عن صف الوزراء ووضعوه أرضا تحت المنصة الشرفية وغطوا وجهه عن عدسات الصحافيين بطرف من غطاء المنصة الأخضر. وتحلق حوله الهاروشي والشيخ بيد الله بوصفهما دكتورين لتقديم الإسعافات الأولية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل عباس الفاسي قادر صحيا على تحمل منصب الوزير الأول. إن رؤساء الدول والوزراء الأولين الذين يديرون شؤون الشعوب يعطون إشارات واضحة للرأي العام على المستوى الجيد لصحتهم العامة. ولعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يظهر وهو يركض في الشوارع أكثر مما يظهر جالسا في مكتبه بقصر الإليزي، لا يصنع ذلك عبثا. إنه يريد أن يوجه رسالة للرأي العام مفادها أنه يتمتع بصحة جيدة.

وكلنا نتذكر النقاش السياسي الذي ساد في فرنسا عندما دخل جاك شيراك إلى المصحة للعلاج، كيف طالبت أحزاب المعارضة الرئيس بتقديم استقالته إذا كانت صحته لا تؤهله لتدبير شؤون الفرنسيين.

وفي مقابل الإشارات الإيجابية التي يعطيها الزعماء والقادة في الدول الديمقراطية نرى كيف يعطي بعض زعماء الأحزاب السياسية عندنا إشارات سلبية بخصوص صحتهم. ومع ذلك تسند إليهم مسؤولية قيادة الحكومة.

الوزير الأول منصب حساس جدا، فهو الآمر الأول بالصرف في المملكة، وحتى ميزانية القصر الملكي إذا لم يوقع عليها الوزير الأول فإن الملك لا يستطيع أن يأخذ فلسا واحدا من الخزينة. ولذلك فقد كان الأجدر أن تسند هذه المسؤولية لوزير شاب مزال فيه مايحفي السباط، وليس إلى رجل يداعب السبعين، كان أحسن له لو أخذ تقاعده السياسي وذهب ليكتب مذكراته مثلما يصنع اليوم عبد الرحمن اليوسفي في مدينة كان الفرنسية.

على ذكر اليوسفي، فقد استغرب البعض من أنه لم يقدم التهاني لعباس بمناسبة تعيينه وزيرا أول وإنما تجاهله وقدمها لمحمد بوستة. فقد وصل إلى علم اليوسفي أن أنصار عباس داخل الحزب ظلوا يروجون طيلة المفاوضات التي سبقت اختيار الوزير الأول، أنهم يريدون وزيرا أول يكون قبره بينهم. في إشارة إلى أنهم لا يريدون وزيرا أول يفضل بعد نهاية ولايته ترك المغرب وقضاء بقية حياته خارجه تطبيقا للمثل الشعبي الذي يقول «اللهم قبر غريب ولا المغريب».
وشوفو السم...

2007-10-04

وزراء الهشاشة

هل يمكن أن يحدث في دولة أن يستدعي وزير الداخلية هيئات مدنية لكي يبلغها بأنها غير قانونية وسرية. نعم فقد حدث ذلك في المغرب عندما استدعى شكيب بنموسى ممثلي تنسيقيات مناهضة الغلاء وأخبرهم بأن وجودهم غير قانوني.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف يعقل أن يطلب وزير الداخلية لقاء رسميا مع ممثلين عن جمعيات وهمية وسرية في مقر وزارته. هل هناك وزير داخلية في العالم يقبل أن يجلس إلى ممثلين وهميين لجمعيات سرية. فالمفروض قانونيا عوض أن يبعث إليهم استدعاء لمقابلتهم أن يبعث إليهم أمرا بالاعتقال، ماداموا قد خرقوا القانون واقترفوا ما يستوجب اعتقالهم والتحقيق معهم بتهمة الانتماء إلى منظمة سرية تحرض على الشغب.


وزير الداخلية شكيب بنموسى يوجد اليوم في موقف لا يحسد عليه، لذلك فقد طلب من ممثلي الجمعيات السرية كما سماها توقيف الحركات الاحتجاجية التي يدعون إليها لأنها غير قانونية. والسيد بنموسى يتجاهل أن الشيء الوحيد غير القانوني في كل هذه الحكاية هو الزيادة الصاروخية في الأسعار وليس الوقفات الاحتجاجية. لأن الاحتجاج ليس غاية في حد ذاته وإنما نتيجة للغلاء. وكأن السي بنموسى يتصور أن المغاربة يريدون فقط تسلية أنفسهم خلال رمضان بقتل الوقت بالاحتجاج في الشوارع ورشق المؤسسات العمومية بالحجارة بانتظار مدفع الإفطار. زعما غير خارجين كايجيبو الفطور والسلام.


كان ممثلو تنسيقيات مناهضة الغلاء ينتظرون من وزير الداخلية أن يفتح معهم ملفات المواطنين الذين تم اعتقالهم عشوائيا في صفرو وبنصميم وخنيفرة، حتى أن هناك مواطنين أبرياء ألقي عليهم القبض لمجرد أنهم هربوا من منازلهم في صفرو بسبب الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن بشكل «حضاري» جدا على المتظاهرين حسب السي علوش عامل المدينة، لكن ممثلي التنسيقيات تفاجأوا بكون السيد وزير الداخلية وضع كل هذه الملفات جانبا وتقمص دور الضحية وبدأ يهددهم ويطالبهم بالوقف الفوري لكل أشكال الاحتجاج إلى حين الحصول على رخصة من سعادته.


وكأن وزير الداخلية لا يعرف أن الغضب ليس بحاجة إلى رخصة من أي أحد، وأن الاحتجاج حق من حقوق الإنسان، والمواطن الذي لا يحتج عندما يستهدف المضاربون الجشعون والمسؤولون المتواطئون خبزه وماءه لا يستحق أن يسمى مواطنا.

ربما يريد وزير الداخلية أن يسمع المغاربة كلهم يتحدثون في نشرة أخبار التلفزيون الرسمي مثلما تحدثت رئيسة إحدى جمعيات الكوكوت مينوت في صفرو بعد الانتفاضة التي عرفتها وقالت بأن العام زين والناس مخاصهوم حتى خير، وأن الذين يقفون وراء ما وقع ليسوا من سكان المدينة وإنما غرباء جاؤوا إليها ليزعجوا هدوءها وأمنها. فيبدو أن هذا هو النوع الوحيد من رؤساء الجمعيات التي تريد وزارة الداخلية أن «ينشطوا» في المدن.

وإذا كان بنموسى قد استعمل أسلوب الوعد والوعيد مع ممثلي تنسيقيات مناهضة الغلاء، فإنه استعمل لغة القانون مع ممثلي نقابات الشغل الثلاث الذين استقبلهم كذلك، وقال لهم بأن الحريات مضمونة لكن القانون سيطبق بلا هوادة. يعني اللي هضر يرعف. جميل أن يتحدث وزير الداخلية عن الصرامة في تطبيق القانون. لكن الأجمل منه سيكون هو تطبيق القانون على الجميع وليس فقط على المواطنين البسطاء الذين يحتجون دفاعا عن خبزهم ومائهم. عليه أن يطبق القانون على الكبار أيضا، أولئك الذين يستغلون رخص الريع التي منحت لهم ولأبنائهم لاستغلال مارشيات الخضر والفواكه والأسماك. أولئك الذين يشتغلون ساعتين كل صباح ويربحون الملايين على ظهور الفلاحين البسطاء والمستهلكين ذوي الدخل المحدود الذين يكدون طيلة الشهر. ولا هادوك ماتقدروش عليهم، حادكين غير فالدراوش مساكن.


لكن بنموسى يكشف لنا عن سر خطير جدا عندما أخبر النقابات بأن وزارته اكتشفت أن الأحداث التي عرفتها مدينة صفرو تنبئ بوجود نوايا لاستغلال الزيادات الأخيرة لأغراض أخرى. وكأنه يريد أن يقول لنا بما أن هناك وجود لهذه النوايا المبيتة فإن الداخلية ستكون صارمة في اعتقال كل من يحتج وتقديمه للجنايات. فهذا سيكون بالنسبة إليهم في الدولة أقل تكلفة من أن يعد بنموسى بحل أسباب الانتفاضة التي عرفتها صفرو.


لقد أظهر وزير الداخلية للجميع بأنه لا يملك تصورا عقلانيا لحل هذه الأزمة الاجتماعية التي تلوح في الأفق عدا الزرواطة والقمع والمحاكمات. وهذا طبعا هو الحل السهل الذي تلجأ إليه كل الدول المتخلفة.


وبهذه الطريقة حلت الدولة المغربية مشاكلها الاجتماعية طيلة ثلاثين سنة، ويبدو أنها غير مستعدة لتغيير عاداتها في القريب العاجل.

ومن الأعذار المضحكة التي قدمها بنموسى لممثلي التنسيقيات والنقابات هو أن يأخذوا بعين الاعتبار أن المغرب يعيش فراغا حكوميا هذه الأيام ولذلك يجب توقيف كل الحركات الاحتجاجية. زعما المغرب كان مطفرو ملي كانت الحكومة. فالشعب يعرف أن الحكومة سواء كانت أو لم تكن فإن البلاد ستسير كما هو مرسوم لها. ألم يقل عباس الفاسي عندما خرج من القصر حاملا معه كهدية لعيد ميلاده السابع والستين كرسي الوزارة الأولى، أن برنامجه الحكومي لن يكون شيئا آخر غير ما قاله الملك في خطاب العرش الأخير. وملي البرنامج الحكومي حاطو الملك الحكومة لاش ؟

والحقيقة أننا نبالغ في إعطاء الأهمية لبعض المسؤولين بتسليط الأضواء عليهم عندما نراهم عاجزين عن حل المشاكل التي تم تعيينهم من أجلها. لأن هناك وزراء الله غالب، فمثلا كيف سيحل عباس الفاسي مشاكل ثلاثين مليون مغربي وهو اليوم عاجز عن تشكيل حكومة من ثلاثين وزيرا. وشخصيا أعتقد أن الرقم ثلاثين ليس هو رقم السعد بالنسبة لعباس الفاسي، فهو يريد حكومة من ثلاثين وزيرا لثلاثين مليون مغربي، وسبق له أن تسبب في فضيحة النجاة التي شردت ثلاثين ألف شاب.


واليوم يجد عباس نفسه غارقا وسط الحقائب الوزارية لا يعرف ماذا يؤخر ولا ماذا يقدم. عبد الواحد الراضي يريد منه وزارة الفلاحة حتى يصبح اسمه عبد الواحد الأراضي، نسبة إلى كل الأراضي الفلاحية التي يملكها في سيدي يحيى. ووزير الفلاحة السابق محمد العنصر يريد منه رئاسة البرلمان. واليازغي يشترط ألا تعطى لحزبه حقائب بالنظر إلى ما حققه من نتائج محبطة في الانتخابات ولكن بالنظر إلى وزنه. والحقيقة أن عباس يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة الوزن هذه، فإدريس لشكر واليازغي والأشعري والراضي لديهم أوزان من العيار الثقيل، وقد زادت هذه الأوزان خلال فترة الراحة البيولوجية التي قضوها في العمل الحكومي والبرلماني بشكل لا يخفى على العين.


ولعل إحدى مفارقات الحياة السياسية في المغرب هي هذه بالضبط، السياسيون يزداد وزنهم عندما يدخلون إلى الحكومة والبرلمان ويطالبون بالمزيد، والشعب يزداد نحولا وضمورا وتذمرا، وعندما يطالب بالمزيد يأتي وزير الداخلية ويتهم أطرافا خفية بتحريكه. ليكن قلبك مرتاحا يا سيد شكيب، ليس هناك أطراف خفية تحرك المواطنين لكي يحتجوا في الشوارع. ما يحركهم واضح كوضوح الشمس، إنه الظلم
الاجتماعي والحكرة والقمع والتهميش. أو ما تسمونه أنتم «الهشاشة».


الحاصول لقيتو الهش فالمغاربة، داك الشي علاش درتو فيهم مابغيتو.
تعليقك على الموضوع

عباس والثلاثون وزير

في برنامج كلمات متقاطعة الذي تبثه القناة الثانية، الفرنسية طبعا، كان أغلب ضيوف البرنامج متفقين حول شيء واحد، وهو التقليل من المصاريف الحكومية وتشديد المراقبة الصارمة على كل فلس يتم صرفه من المال العمومي. وقبل أسبوع من اليوم قال الوزير الأول، الفرنسي طبعا، أن فرنسا توجد على حافة الإفلاس. فهل ستكون للوزير الأول عباس الجرأة لكي يعترف بأنه تسلم قيادة حكومة ستكون مشكلة من ثلاثين وزيرا في بلاد توجد على حافة الإفلاس. لا أعتقد أنه سيملك ذرة واحدة من الشجاعة ليعترف بهذه الحقيقة المخيفة. بل بالعكس، سيستمر في مشاوراته مع الأحزاب التي تريد كلها أكثر ما يمكن من الحقائب. وعندما تسألهم لماذا يريدون كلهم دخول الحكومة يجيبونك بأن مصلحة المغرب تقتضي منهم هذه التضحية. أحرضان يريد أن يضحي بابنه من أجل المغرب ورشحه لوزارة الطاقة والمعادن. عباس الفاسي يريد التضحية بزوج ابنته ورشحه لمنصب وزارة الشؤون العامة للحكومة. اليازغي ضحى بالحزب كله من أجل مصلحة المغرب، ولا يزال يتصارع مع عباس على حقيبة إضافية لكي يصل إلى خمس حقائب، خمسة وخميس فعين الحساد.

إن أي شخص قلت له في الخارج بأن المغرب ستكون لديه حكومة من ثلاثين وزيرا يندهش ويقول لك أن هذه الحكومة ستكون مكلفة جدا بالنسبة إلى موازنة الدولة المالية. فحتى الدوال التي لديها عضوية في نادي الأغنياء كفرنسا لا تستطيع ميزانيتها تحمل مصاريف حكومة من ثلاثين وزيرا. ولذلك تكتفي بخمسة عشر وزيرا.

إنهم عندنا يفضلون إعطاء الدروس في التقشف فقط للمواطنين، بحيث يحرمونهم من الخدمات الأساسية بحجة ضعف الميزانية، أما عندما يتعلق الأمر بالحكومة فتصبح يد الدولة مثقوبة وتصاب بالكرم بحيث لا تعرف يدها اليمنى ما تصرفه يدها اليسرى.

كانت أمام الملك فرصة تاريخية لكي يطلب من عباس الفاسي تشكيل حكومة مصغرة لا يتعدى عدد وزرائها خمسة عشر وزيرا، هكذا سيفهم المغاربة بأن هناك رغبة حقيقية في التغيير، وأن الحكومة لم تعد ضيعة للأحزاب يسمنون فيها وزراءهم لخمس سنوات كاملة، قبل أن يورثوها لأبنائهم وأصهارهم من بعدهم. لكن الفرصة مرت وسنرى أمامنا حكومة يتعدى عدد وزرائها وزراء الصين التي يصل تعداد سكانها إلى مليار ونصف نسمة.

لو كانت لدي سلطة القرار لأصدرت قانونا ماليا جديدا ينص على تقليص رواتب الوزراء إلى النصف، وتغيير سياراتهم الفارهة بسيارة لوغان المحلية الصنع، ولشددت المراقبة على مصاريفهم اليومية بشكل يجعلهم مجبرين على تبرير كل درهم يصرفونه من أموال دافعي الضرائب. وبعد ذلك سنرى هل سيتهافتون كلهم بهذه الطريقة الشرهة على الحقائب الوزارية دفاعا عن مصلحة المغرب، أم أنهم سيعتذرون ويسحبون ملفات ترشيحهم.

عندما يتم تطبيق مثل هذه القوانين الصارمة في المراقبة لن يستطيع سكرتير دولة في التشغيل والتكوين المهني كالسيد أولباشا أن يرمي الأقلام في وجه السكرتيرة التي جلبتها له لكي يوقع بها على الوثائق في اليوم التالي لتعيينه، لأنه سيخاف من طلب اقتناء قلم «مون بلان» الذي يصل ثمنه إلى خمسة آلاف درهم، خصوصا إذا كان يعرف أن مراقب المالية سيكون صارما في محاسباته.

وزراء في حكومة مثل حكومة عباس وفي بلد فقير وغارق في الديون كالمغرب يجب أن يوقعوا بستيلو بيك، وأن يستحضروا حالة العوز التي يوجد فيها المغرب اليوم. عليهم أن يذهبوا في رحلة قصيرة إلى هولندا لكي يروا وزراء الحكومة الهولندية يتحركون بالدراجات الهوائية.

وأن يتأملوا جيدا تلك القصة المعروفة بـ«أزمة الشوكولاته» حين أقدمت وزيرة في الحكومة السويدية على اقتناء قطعة شوكولاته ثمنها لا يتعدى عشرين درهما بالبطاقة البنكية التي تمنحها لها الدولة فضبطها أحد الصحافيين ونشر الخبر في الغد، فانهار الائتلاف الحكومي بعد أن قدمت الوزيرة استقالتها بسبب هذه الفضيحة. فعند هؤلاء الديمقراطيين من يسمح لنفسه بسرقة عشرين درهما من أموال الشعب يستطيع أن يسرق عشرين مليارا أيضا.

إن الذين يتبجحون بالقول اليوم أنهم يتسابقون لدخول الحكومة من أجل مصلحة الشعب، إنما يخادعون أنفسهم فقط، لأن الشعب عاق وفاق ويعرف أن مصلحته توجد في حكومة وطنية بوزراء انتحاريين لا يطمعون في الجلوس على الكرسي والخلود فيه، وزراء يعطون المثال
للشعب في الحرص على أمواله وفي خدمة الصالح العام. وزراء تكون لديهم الأنفة والكرامة لكي يقدموا استقالتهم عندما يرون أن هناك من يقرر بالنيابة عنهم في وزاراتهم. وزراء ذمتهم نظيفة يقبلون بالتصريح بممتلكاتهم قبل أن يتسلموا الحقيبة، ويغادرون الحكومة كما دخلوا إليها دون أن تصبح لديهم ضيعات وشركات ومصانع وأساطيل في أعالي البحار.

ومادام أن هذا النوع من الوزراء غير متوفر اليوم في المغرب فسيظل المغاربة يائسين من حكوماتهم المتعاقبة. مشيحين بوجوههم عن الانتخابات وعازفين عن السياسة.

ولكي يعرف عباس الفاسي ما ينتظره خلال الأشهر القادمة عليه أن يشعل تلفزيون المغاربة الجديد، وأن يذهب إلى موقع يوتوب ويتفرج على تسجيل لسكان قرية تيلمي بوارزازات الذين قاطعوا الانتخابات جميعهم. طبعا فالتلفزيون الرسمي لم ينقل صوتهم ومعاناتهم، ولكن تلفزيون المغاربة الجديد يوتوب نقلها من أولها إلى آخرها. وبما أن عباس ماعندوش مع التكنولوجيا فليسمح لنا ان ننقل إليه صوت هذا المغرب المنسي في «أقسى» الجنوب. يقول أحد السكان :
- أبقانا الله أمازيغيين أحرار. لقد عانى أجدادنا وها نحن على دربهم في سنة 2007 وعلى مقربة من 2008. الآن فطنتم إلى لعبتهم، فقد علمتنا المعاناة، قفوا بشجاعة ولا تصدقوا أكاذيبهم. نحن هنا ننتظر لجنة لنتحاور معها لكي نستفيد من حقوقنا ونفرض أنفسنا في هذا الدستور. نريد أن يعترف بهويتنا الأمازيغية...
هنا يقاطعه رجل آخر ويقول :
- لقد نقص مستوى عيشنا على ما كنا عليه أثناء الاستعمار. كان قبطان الاستعمار يأتي من أمسمرير (مركز المنطقة) إلى هنا في تيلمي وهذه الطريق كانت من أيام الاستعمار، لم نر أي شيء جديد بل نقص كل شيء. من أراد أن يتزوج أو يطلق لابد له أن يذهب إلى قلعة مكونة وعندما نود السفر فلابد أن نستيقظ في الثانية ليلا كي نذهب إلى وارزازات. أليس من الأجدر أن المسؤول هو من يأتي وليس المواطن هو الذي يذهب إليه حيث يكون.

اللهم إن هذا منكر، ليس هناك مفهوم للاستقلال لدينا. ليست هناك طرق وتعرضنا للفيضانات وليس هناك غير الوعود الكاذبة. فلا نرى أي مسؤول هنا، ضاع أبناؤنا أما نحن فقد تجاوزنا الخمسين ولم يسبق لنا أن استفدنا من أي شيء. يقولون أنه في 2010 سوف يكون المغرب مجهزا نحن هنا منذ 1901 ورأينا كل أشكال المعاناة. وقالوا أيضا أنه في شهر يوليوز سوف تعبد الطريق لكن أين هذه الطريق، لقد

اعتبرونا متخلفين ولا نعلم أي شيء.
وهنا يأتي أحد المحتجين بفتاة يظهر في رأسها جرح غائر ويقاطعه قائلا :
- أين الطبيب الذي سيعالج هذه الفتاة ؟ تريدون أن نصوت ونحن نعيش في الظلم ؟
لماذا لا يوجد طبيب يعالج هذه الفتاة ؟
وأنت سيد عباس الفاسي، الغارق في البحث عن ثلاثين وزيرا، هل تعرف أن سكان هذه القرية يريدون فقط طبيبا واحدا يعالج مرضاهم وجرحاهم. خذوا كل الحقائب التي تريدون وأرسلوا إلى قرية تيلمي طبيبا واحدا لا غير...

2007-10-03

من أجل سواد عيوننا

دعونا نكون عادلين ومنصفين في حق الاتحاد الاشتراكي. فقد قرر قادته التاريخيون أن يشاركوا في حكومة عباس فقط حرصا على مصلحة البلاد. يعني أن اليازغي بعد كل هذا المسار الطويل من التضحيات لا زال مستعدا لبذل المزيد من التضحيات من أجلنا. وكأن التضحية من أجل البلاد لا تكون إلا بالحصول على حقائب وزارية وليس بالوقوف في صف المعارضة. والغريب في الأمر هو أن اليازغي وصل سن الرابعة والسبعين ومازال قادرا على الحديث عن المستقبل أحسن من أي شاب في الثلاثين.

دعونا نعبر عن امتناننا وعرفاننا لروح التضحية العالية هذه التي أظهرها اليازغي هذه الأيام. فقد برهن لنا عن قدرة خارقة على الإيثار، بحيث تكرم وقبل أن يشارك في الحكومة فقط من أجل سواد عيون الشعب، رغم أنه فشل في الحصول على ثقة هذا الشعب نفسه خلال الانتخابات. لكن لا يهم، ما وقع للاتحاد الاشتراكي كما شرحه اليازغي في المجلس الوطني للحزب ليس نكبة وإنما كبوة. والمغاربة لم يعاقبوا الاتحاد الاشتراكي وإنما عاتبوه فقط. ومن أجل كل ذلك، ورغما عن أنف الشعب الذي أسقط اليازغي ورفاقه في الانتخابات، سيكلف هؤلاء الساقطون أنفسهم وسيقبلون المشاركة في الحكومة، غصبا عن الذين أسقطوهم في الانتخابات. فهؤلاء الذين صوتوا ضد الاتحاد الاشتراكي مجرد عوام لا يعرفون أين توجد مصلحة الوطن، لذلك فإن اليازغي عندما شاهد نتائج مرشحيه المخجلة نظر بحنان إلى الشعب وقال في نفسه مبتهلا إلى الوطن لكي يسامح هؤلاء البسطاء، فإنهم لا يعلمون.

لذلك يجب أن نشكر الله الذي وهب لنا الاتحاد الاشتراكي في هذه البلاد ورزقنا بقائد همام كاليازغي لا يمل من تقديم التضحيات من أجلنا ومن أجل مستقبلنا. ولو أنه يخلط أحيانا بين مستقبلنا ومستقبل أبنائه، خصوصا عندما يرشح بعضهم لكي يرثوا الحزب من بعده. فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والآن بعد أن قمنا بواجب الشكر على قبول الاتحاد الاشتراكي دخول الحكومة من أجل مستقبلنا وحرصا على مصلحة البلاد، دعونا نذكر اليازغي، الذي يطالب اليوم بوزارات مهمة تراعي حجمه السياسي، بشعار المنهجية الديمقراطية الذي ظلوا يصرخون به طيلة الأيام الأخيرة.

لقد تم احترام المنهجية الديمقراطية وتم اختيار الوزير الأول من صفوف الحزب الذي أحرز على أعلى نسبة من المقاعد. وإذا تم احترام المنهجية الديمقراطية فإن نصيب الاتحاد الاشتراكي من المقاعد لن يتجاوز مقعدين أو ثلاثة، بحكم أن الحزب جاء في المرتبة الخامسة في الانتخابات.
أم أن اليازغي يريد تطبيق المنهجية الديمقراطية في اختيار الوزير الأول فقط وليس في اختيار الوزراء. إذا كنا ندافع عن المنهجية الديمقراطية فيجب أن ندافع عنها حتى النهاية، وأن لا يكون دفاعنا فقط عندما تكون في صالحنا وإنما أيضا حتى عندما تكون ضد مصالحنا. هكذا نستحق لقب ديمقراطيين وليس لقب حربائيين تتغير ألواننا بتغير الظروف المحيطة بنا.

في الديمقراطيات التي تحترم نفسها يستحيل أن تعثر على وزراء وزعماء حزبيين سقطوا في الانتخابات التشريعية ومع ذلك يطمعون في الفوز بمقعد في الحكومة، وهم مستعدون في سبيل ذلك لكل شيء. وما وقع لعباس الفاسي في اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب قبل يومين خير مثال على ذلك. فقد كشكش عليه محمد الخليفة، وزير الصناعة التقليدية السابق والمكردع الحالي في الانتخابات، عندما سمع أن عباس يريد إقصاء كل مرشحي الحزب الذين سقطوا في الانتخابات من دخول حكومته. فاستعان محمد الخليفة بالتاريخ وعاد إلى سنة 1977 ليذكر عباس بالسقطة التي نالها في الانتخابات التشريعية والتي لم تمنعه مع ذلك من دخول الحكومة. فالخليفة يريد أن يسمع عباس يبشره ويقول له «الخليفة فالوزارة» وليس «الخليفة عالله فالوزارة»، ولذلك يستعين بالسوابق الانتخابية لكي يبرر طمعه في حقيبته الوزارية وتشبثه بحقه فيها.

ولكي تعرفوا أن كل الذين يطمعون اليوم في دخول الحكومة إنما يصنعون ذلك حرصا على مصلحة البلاد يكفي أن تعرفوا أن عدد الطلبات فوق مكتب عباس وصل إلى خمسمائة طلب للمشاركة في الحكومة. وكلهم قدموا ترشيحهم حرصا على مصلحة البلاد فقط لا غير. فهم ليسوا طامعين في راتب سبعة ملايين السمين الذي يضمن لك بعد خروجك من الحكومة مرتبا شهريا قدره ثلاثة ملايين سنتيم كتقاعد. وهم ليسوا طامعين في السكن الوظيفي وأسطول سيارات العمل، والخدم والسائقين. وهم ليسوا طامعين في الامتيازات الكثيرة التي يخولها لهم منصب وزير في بلد كالمغرب أصبحت فيه الرشوة والفساد الإداري واستغلال النفوذ وغياب القانون أشياء عادية تماما.

فكل هم هؤلاء الخمسمائة من المرشحين الأساسي والكبير هو مصلحتنا ومستقبلنا. مستقبلنا الذي بدأت تلوح معالمه الداكنة في الأفق. وكأن هؤلاء المرشحين الذين وضعت أحزابهم طلباتهم فوق طاولة عباس الفاسي لا يدركون جسامة المسؤولية التي يتقدمون باسمين كالبلهاء لتحملها. وكأنهم قادمون إلى عرس سيأكلون فيه ويشربون ما طاب لهم طيلة خمس سنوات، ثم بعد ذلك سيجمعون حقائبهم ويعودون من حيث أتوا. ثم يدخل آخرون وتستمر مأدبة اللئام أمام أنظار شعب الأيتام.

على كل هؤلاء الذين ينتظرون تسلم حقائبهم بفرح طفولي أن يتمعنوا قليلا فيما يحدث في أطراف الوطن، هذه الشرارات التي تلمع في عيون الغاضبين الذين يتزايد عددهم يوما عن آخر. تلك النساء اللواتي يخرجن غاضبات في خنيفرة وبنصميم وصفرو وميسور. عليهم أن يستمعوا إلى شعاراتهم الصاخبة التي تتوعد سارقي خبزهم ومائهم. وعليهم أن لا يستهينوا بها كما صنع أسلافهم الذين انفضوا من حول مائدة العرس السابق الذي دام خمس سنوات.

عليهم أن لا يفعلوا ما فعله عامل صفرو الذي عوض أن يستمع إلى مشاكل سكان المدينة عقد ندوة في العمالة وظل يسأل فيها ويجيب على نفسه، مطبقا المثل الشعبي الذي يقول «كايدق ويكول شكون». وعوض أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في ما وقع قال إن القوات الأمنية تعاملت مع الأحداث بشكل حضاري. فسعادة العامل يعتبر ركل امرأة في بطنها وضرب أخرى بجهاز اللاسلكي تصرفا حضاريا راقيا. ويعتبر رمي المواطنين بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع قمة السلوك الحضاري الذي ستحسدنا عليه أكبر الديمقراطيات في العالم.

ويبدو أن السيد علوش لديه تصور غريب للسلوك الحضاري، وربما يعتبر ما قام به هو شخصيا قبل سبعة أشهر مع مواطنة عملا حضاريا عندما صفعها في الشارع العام بصفرو وأغلق باب سيارته الكات كات على طرف ثيابها وجرجرها أمتارا طويلة قبل أن يتوقف لتسقط المواطنة وتأتي سيارة إسعاف لحملها إلى المستعجلات، ثم بعد ذلك حرمانها حتى من حقها في الشهادة الطبية التي تثبت العجز.

لكن يبدو أن العجز الحقيقي هو ذلك الذي يعاني منه عامل صفرو. خصوصا عندما قال أن ما وقع هو مصيبة حلت بنا
ونطلب من الله اللطيف. نعم إن ما وقع مصيبة حلت بنا جميعا، وليست هناك مصيبة في هذه البلاد أكبر من هؤلاء المسؤولين الذين يغرقون الشقف للمدن التي يتولون تسييرها، وعندما يخرج المواطنون للاحتجاج والتعبير عن غضبهم يتعاملون معهم بشكل حضاري جدا، إلى درجة أن روائح هذه الحضارة تصل إلى مشارف المشور السعيد بالرباط.

2007-10-01

الذين فتح الله عليهم

من حق الهاروشي وزير الفراشات أن يفرح ويسعد أياما قلائل قبل مغادرته لوزارة التضامن. فقد نجح في أن يجعل ختام وجوده على رأس الوزارة مسكا. وأعلن بفخر واعتزاز أن عدد المتسولين المغاربة لا يتعدى 200 ألف، عكس ما كان يروج له أعداء المغرب من أنهم يتعدون نصف المليون.

وكأن 200 ألف متسول في نظر الهاروشي إنجاز حضاري يستحق عليه المغرب ميدالية الشرف وليس إحساسا عميقا بالقرف.

والسي الهاروشي الذي ختم سنواته الخمس على رأس وزارة التضامن لم يشعر بالخجل وهو يتحدث عن وجود كل هذه الآلاف من المتسولين في المغرب في ظل وزارة بحالها مهمتها القضاء على الفقر الذي هو أحد المسببات الرئيسية للتسول. وهو معذور، فالحكومة التي اشتغل فيها كان همها الوحيد على ما يبدو هو القضاء على الفقراء عوض القضاء على الفقر. والدليل على ذلك هو ما يحدث اليوم من اعتقالات في صفوف المسحوقين والفقراء الذين اقترفوا جناية المطالبة بالحفاظ على مائهم وخبزهم.

ويبدو أن الهاروشي نسي أن مهمته على رأس وزارة التضامن كانت هي محاربة التسول وليس إحصاء المتسولين. لكن بما أنه فشل في القضاء على هذه الظاهرة فليس هناك من طريقة أخرى لإظهار حنة يديه في أوج مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، من تخصيص ميزانية محترمة لإحصاء السعاية وتوزيعهم إلى أنواع ودراسة سلوكهم وتحليله. وهكذا عرفنا من خلال هذه الدراسة أن هناك بين السعاية المحترفين والمحتالين والأثرياء، وقاريين، ربما مستواهم الدراسي أكبر من مستوى بعض البرلمانيين.


لكن ما فات الهاروشي في هذه الدراسة هو أن يشير إلى المسؤول الرئيسي عن شيوع هذه الظاهرة في المغرب خلال السنوات الأخيرة.

أعتقد أن أكبر متسول في المغرب اليوم هو الدولة بنفسها. فلا يكاد يمر شهر دون أن نسمع عن إعانة مالية تصلها من دولة ما من أوربا إلى أمريكا مرورا بالأشقاء في الخليج. وبفضل هذه الصدقات تتمكن الدولة من تدبر حالها بانتظار وصول المزيد من الإمدادات. هل تعلمون مثلا أن الدولة المغربية تحتاج لتسديد موازنة دعم الخبز إلى حوالي 22 مليار درهم، وأن الدولة المغربية لا تعرف من أين ستجمعها.

والهاروشي يتحدث لنا فقط عن تسول المواطنين وينسى تسول الدولة على أبواب الدول الغنية. فكما حدد الهاروشي فقر المواطنين كأهم الأسباب الكامنة وراء تسولهم فإن البنك الدولي يضع المغرب ضمن الدول الفقيرة، وبالتالي فإن تسولها يصبح مبررا. لكن المغرب ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول «الطلاب يطلب ومرتو تصدق». فهل يعقل أن دولة فقيرة مثل المغرب لا تنتج شيئا آخر غير الفوسفاط والسمك والصناعة التقليدية، وتستورد تقريبا كل شيء، ومع ذلك يفكر وزيرها الأول في تشكيل حكومة من ثلاثين وزيرا. كل وزير يتقاضى فيها راتبا يصل إلى سبعة ملايين في الشهر، إضافة إلى مصاريف سكنه وسياراته وملبسه وتعويضات سفره.


وعلى ذكر سفر الوزراء، يمكن مثلا أن نذكر مثالا بسيطا في هذا الصدد يتعلق بسعيد أولباشا سكرتير الدولة المكلف بالتكوين المهني، خصوصا في الصيف الماضي، وبالضبط في عز شهر غشت. فقد نزل السيد أولباشا هو ورئيسة ديوانه مدام منتصر في فندق من صنف خمس نجوم أسبوعا كاملا في غرفة دوبل. وربما لضرورات العمل يمكن أن نتفهم نزول سعادة سكرتير الدولة ورئيسة ديوانه في فندق بأكادير في عز شهر غشت، حيث الغالبية العظمى من الوزراء والموظفين السامين في عطلة. لكنني صراحة لا أفهم كيف يمكن أن يكون السيد أولباشا ومديرة ديوانه في فندق معين وفي الوقت ذاته نجد اسميهما في لائحة نزلاء فندق آخر. وهكذا نعثر على اسم أولباشا ومدام منتصر في فندق تابع لمؤسسة أكور في الفترة الممتدة ما بين 22 غشت إلى 25 غشت، وفي الوقت نفسه نجد اسميهما في فندق روايال أطلس في الفترة الممتدة ما بين 19 غشت و26 منه.


ربما كان سعادة سكرتير الدولة المكلف بالتكوين المهني ومديرة ديوانه من هواة تناسخ الأرواح، بحيث يظهرون في أماكن متعددة وفي نفس الوقت. وهذا طبعا دون أن نتحدث عن قيمة الفواتير المسجلة باسم وزارة الشغل التي تتبع لها سكرتارية الدولة التي يسيرها أولباشا، ومندوبية هذه السكرتارية في أكادير، والتي وصلت إلى حدود أربعة ملايين سنتيم وثلاثة آلاف درهم.


فهل هناك دولة فقيرة كالمغرب تعاني من المديونية ومن اختلال الميزان التجاري والضخم، يسمح المسؤولون فيها لأنفسهم بصرف مثل هذه المبالغ على سفرياتهم رفقة مديرات ديوانهم. سؤال نوجهه للهاروشي الذي يعرف فقط كيف يحسب السعاية ولا يهمه أن يحسب أموال دافعي الضرائب التي ينفقها زملاؤه الوزراء وسكرتيرو الدولة على عطلهم الصيفية. لماذا لا يدقق الحساب في مثل هذه الفواتير ويشرح لنا أين ذهب مبلغ أربعة آلاف درهم المسجل في خانة «ليزيكسترا» مثلا في فاتورة رويال أطلس التي تحمل رقم 474. ما هي هذه المشروبات «الإكسترا» ولماذا سيكون دافعو الضرائب مجبرين على دفع ثمنها مادامت «إكسطرا»، أي على حساب سعادة سكرتير الدولة ومديرة ديوانه.


وأين هو وزير المالية الذي يعرف كيف يحسب الضريبة على القيمة المضافة ويقتطعها حتى من بوربوارات نادلي المقاهي، أليست وظيفته كأكبر آمر بالصرف إلى جانب الوزير الأول في المملكة أن يراقب أين تذهب أموال الوزارات التي يخصصها لهم من ميزانية الدولة.

يبدو أن فتح الله مشغول هذه الأيام وليس لديه الوقت باش يحفي عينيه في قراءة فواتير السادة الوزراء. مشغول بتهيئة تقاعده المريح بعد أن أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس وباع كل ممتلكات الدولة في سوق الدلالة العالمي.

لكن فتح الله ليس سيئا كما نتصور، فهو قبل أن يغادر وزارة المالية سهر طويلا من أجل أن يترك بعض أصدقائه القدامى في وضعية مهنية مريحة. وعلى رأسهم فتحية بنيس التي بشرت المغاربة يوما واحدا قبل الانتخابات بأن نسبة التصويت ستصل إلى سبعين بالمائة. لكن فتحية التي بدأت مشوارها المهني مسيرة بسيطة في شركة للمكاتب، لا تبشرنا فقط بالأخبار السيئة ولكن بالأخبار السارة أيضا، فقد تم اختيارها أسابيع قليلة قبل مغادرة فتح الله لوزارة المالية رئيسة مديرة عامة لشركة «ماروكلير»، وهي شركة شبه عمومية يرأس، بالمناسبة، فتح الله مجلس إدارتها.

لكن قصة فتح الله وفتحية ليست وليدة اليوم، فقد حمل وصول فتح الله إلى المالية مع حكومة اليوسفي الأولى فتحية إلى منصب مديرة بورصة الدار البيضاء سنة 1998. وعندما ضربت تلافا للبورصة وأثبتت أن المنصب أكبر منها، طارت إلى رئاسة المكتب الوطني للسياحة سنة 2002. وفي سنة 2004 عندما انفصلت وزارة السياحة عن المالية والاقتصاد وأصبحت بين يدي الاستقلالي الدويري، ولم يعد وزيرها المباشر هو فتح الله، طارت فتحية من رئاسة المكتب الوطني للسياحة. وهكذا اعتقد الجميع أن فتحية ستذهب إلى التقاعد والتفرغ لعمليات شد الوجه التي تجريها باستمرار في الخارج. لكن سنة 2005 ستكون سنة الحظ بالنسبة إليها، خصوصا بعد وصول فتح الله إلى رئاسة مجلس شركة «ماروكلير»، فأسند فتح الله إلى فتحية منصب رئيسة الشركة. وأسبوعين قبل مغادرته للحكومة الحالية عينها مديرة عامة على رأس الشركة، حتى يضمن لها كامل الصلاحيات الإدارية ويجنبها احتمال تكرار تجربتها المريرة على رأس المكتب الوطني للسياحة مع وزير السياحة الجديد.

هذا غيض من فيض مما يحدث في بعض الوزارات أياما معدودات قبل ذهابها ومجيء أخرى مكانها. ففي غمرة انشغال الجميع بالحقائب يستغل البعض الجو لكي يعيشوا آخر نزواتهم بعيدا عن الأنظار. لكن هيهات، عين الرقيب لا تنام، وما خفي كان أعظم.