والمدهش في كلمة عباس الفاسي أمام رئيس الحكومة الإسبانية أنها كانت باللغة الفرنسية. مع العلم أن عباس نفسه أصدر مذكرة لجميع وزرائه ومصالحه الحكومية يدعوهم فيها إلى احترام الدستور واستعمال اللغة العربية في معاملاتهم الرسمية. هكذا ينهى عباس «الفرشة» عن شيء ويقترفه في الوقت ذاته. مع العلم أن وزيرنا الأول لم يكن مجبرا على التحدث بالفرنسية مادام قسم الترجمة في قصر المونكلوا بمدريد مجهزا بمترجمين بكل لغات العالم الحية والميتة.
ليس هناك تفسير لتحدث وزير أول مغربي ينحدر من حزب محافظ كحزب الاستقلال جعل من التعريب معركة سياسية، باللغة الفرنسية في بلد يتحدث اللغة الإسبانية، سوى أن عباس أراد أن يذكر مضيفيه بأن دفاعه عن اللغة العربية ليس سوى شعار حزبي يستعمل خلال الحملات الانتخابية، أما هو ووزراء حزبه الذين تخرجوا من المدارس الفرنسية الراقية، فلغتهم الحقيقية التي يتقنونها، بالإضافة إلى لغة الخشب، هي لغة موليير. وقبل أمس، خلال مؤتمر حزب الاستقلال، أعطى عباس الدليل الملموس على أنه عاقد العزم على اقتراف المزيد من «الفرشات». آخرها كان عندما شن هجوما لاذعا ضد الصحافة المستقلة التي اتهمها بتلك التهمة البالية التي لم تعد تنطلي على أحد، وهي التيئيس ونشر العدمية والتشكيك في المسار الديمقراطي للمغرب، ونشر العزوف الانتخابي بين المواطنين، وتبخيس العمل السياسي.
وبين «زعفة» وأخرى، كان عباس يقرأ خطابه «التاريخي» الطويل، مرة ينهر أحد المصورين ويقول له مبعثرا ما بين حاجبيه «راك برزطتيني أسيدي»، ومرة «يزعف» على بعض المؤتمرين الذين كانوا يوشوشون في آذان بعضهم البعض عندما كان عباس يتلو خطابه التاريخي.
لكن «الفرشة» الحقيقية التي اقترفها عباس في المؤتمر هي عندما قال للمؤتمرين بأن خطابه الكامل سيكون منشورا في جريدة «العلم»، التي وصفها بأنها جريدة لا تبيع لأنها لا تحب «التقصار» عكس الجرائد الأخرى التي تبيع بفضل الفضائح، وأنه سيختصر خطابه حتى لا يصيب المؤتمرين بالملل. والحقيقة أن ما قاله عباس يعتبر جرأة سياسة كبيرة، فهو الزعيم الحزبي والوزير الأول الوحيد الذي تجرأ على الاعتراف بأن خطابه مثير للملل. رحم الله عبدا عرف قدر نفسه.
عباس لديه مشكل قديم مع الصحافة. فهي في نظره تمارس «التشيطين» وتخرب صورة البلد ولا ترى سوى السلبيات. لم يحدث أن هاجم وزير أول في المغرب أو في غيره من البلدان صحافة بلاده مثلما يصنع عباس اليوم. أكثر من ذلك، فهو يرى أن الصحافة التي يدينها القضاء هي صحافة بدون مصداقية.
وينسى أن يقول في الطريق أن القضاء الذي تقف أمامه هذه الصحافة هو الذي بدون مصداقية لأنه قضاء غير مستقل وغير عادل، بشهادته هو عندما كان وزيرا بدون حقيبة في حكومة جطو وكان بعض مرشحي حزبه يتابعون بتهمة الفساد الانتخابي، فطلب من القضاة أن يستمعوا إلى ضمائرهم لا إلى هواتفهم المحمولة.
وهكذا فحسب عباس الصحافة التي تفضح عزوف البرلمانيين عن حضور جلسات مناقشة القوانين والميزانيات الحكومية هي التي تشجع المواطنين على العزوف الانتخابي، وليس عزوف البرلمانيين عن المجيء إلى البرلمان، رغم أنهم يتقاضون نظير ذلك أربعة ملايين في الشهر من أموال دافعي الضرائب.
والصحافة التي تفضح متابعة الاستقلالي عبد الحق التازي زعيم الأغلبية الحكومية في مجلس المستشارين، بسبب امتناعه عن دفع ضرائبه وديونه لسبعة أبناك، هي التي تخرب البلاد وتشوه صورتها، وليس أمثال هؤلاء المستشارين والسياسيين والأثرياء الذين يتهربون من دفع ضرائبهم للدولة ككل عباد الله.
والصحافة التي تفضح «أكل» نقابة الاستقلالي بنجلون لحقوق المستخدمين بالامتناع عن دفع انخراطاتهم الشهرية في صندوق الضمان الاجتماعي، هي المسؤولة عن نشر اليأس والعدمية بين الطبقات الشعبية، وليس أمثال هؤلاء النقابيين الذين يعطون الدروس للدولة ويهددونها بالإضراب دفاعا عن مصالح الطبقات العاملة، في الوقت الذي لا يتورعون عن «طحن» حقوق وعظام هذه الطبقات عندما تتجرأ على المطالبة برواتبها المهضومة. كما صنعت ليلى بن الصديق ابنة الزعيم التاريخي للاتحاد العام المغربي للشغل في القنيطرة عندما داست على أجساد مستخدميها بعد ان داست على حقوقهم المهنية التي يكفلها لهم قانون الشغل.
وكم نحن شاكرون وممتنون لعباس «الفرشة» لأنه كشف أمام مؤتمريه وضيوفه أن «قشابته» و«قشابة» وزراء حكومته واسعة جدا، إلى درجة أنهم يترفعون عن مقاضاة الصحافيين وجرجرتهم أمام القضاء.
ونحن إذ نشكره على «وسوعية الخاطر» هذه، نطالبه فقط بأن يوسع خاطره أكثر وينفض الغبار عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، وأن يحرك المتابعة ضد كل من اتهمهم قضاة المجلس بتبذير أموال دافعي الضرائب واختلاسها. فهذا هو الدور الأساسي للقضاء وللوزير الأول بوصفه الآمر بالصرف في المملكة. فكل درهم يضيع من خزائن الدولة تقع على عباس مسؤوليته.
عباس يمن على الصحافيين الذين ينتقدونه وينتقدون حكومته بكونه يترفع عن مقاضاتهم. طبعا هذا من حقه. لأنه لو كان لدينا قضاء مستقل وعادل لكان عباس الفاسي أول من يقف أمامه لكي يتحمل نصيبه من المسؤولية في فضيحة «النجاة» التي ذهب ضحيتها ثلاثون ألف شاب مغربي، انتحر منهم أربعة إلى اليوم بسبب اليأس.
هذا هو اليأس الحقيقي الذي لا يريد عباس أن يعترف بمسؤوليته في انتشاره بين الشباب، وليس اليأس الذي تنشره الصحافة. فلم يثبت إلى حدود اليوم أن مواطنا مغربيا انتحر بسبب مقال نشرته إحدى الصحف حول تردي القدرة الشرائية للمواطنين أو حول وصول الحوار الاجتماعي إلى الباب المسدود. بينما نقرأ يوميا عن انتحار الشباب المغربي غرقا في قعر مياه المتوسط طمعا في الوصول إلى الضفة الأخرى هربا من «الحكرة» والبطالة والوعود العباسية المعسولة. ونقرأ يوميا عن محاولات انتحارية للدكاترة العاطلين والمكفوفين بالبنزين داخل مقرات حكومية، كما وقع في وزارة نزهة الصقلي مؤخرا.
فهل الصحافة هي المسؤولة عن كل هذا الاحتياطي الفادح من اليأس الاجتماعي. إن المسؤول الأول والأخير عن اليأس الاجتماعي والإحباط السياسي الذي يعيشه المغاربة هي طبقته السياسية التي مرغت العمل الحزبي في الوحل، وسفهت العمل البرلماني، وميعت المناصب الوزارية حتى صارت تعهد إلى من لا يحمل حتى شهادة البكالوريا.
هل هناك تيئيس للطبقات الشعبية العاملة أكبر من تدخل جهات نقابية وحكومية في العدل من أجل إطلاق سراح ليلى بن الصديق ابنة النقابي المحجوب بن الصديق، وعدم متابعتها قضائيا رغم دهسها لتسعة مواطنين في الشارع العام.
أمثال هؤلاء الأبناء المدللين الذين يطحنون عظام أبناء الشعب في الشوارع هم الذين يجب أن يقفوا أمام القضاء، وليس الصحافة التي تفضحهم يا سيد عباس.
«فرشات» عباس تجاوزت الحدود. حدود المملكة طبعا. وأصبحت مثار سخرية الجيران في إسبانيا والجالية المغربية المقيمة في أرجاء العالم الفسيح.ليس هناك تفسير لتحدث وزير أول مغربي ينحدر من حزب محافظ كحزب الاستقلال جعل من التعريب معركة سياسية، باللغة الفرنسية في بلد يتحدث اللغة الإسبانية، سوى أن عباس أراد أن يذكر مضيفيه بأن دفاعه عن اللغة العربية ليس سوى شعار حزبي يستعمل خلال الحملات الانتخابية، أما هو ووزراء حزبه الذين تخرجوا من المدارس الفرنسية الراقية، فلغتهم الحقيقية التي يتقنونها، بالإضافة إلى لغة الخشب، هي لغة موليير. وقبل أمس، خلال مؤتمر حزب الاستقلال، أعطى عباس الدليل الملموس على أنه عاقد العزم على اقتراف المزيد من «الفرشات». آخرها كان عندما شن هجوما لاذعا ضد الصحافة المستقلة التي اتهمها بتلك التهمة البالية التي لم تعد تنطلي على أحد، وهي التيئيس ونشر العدمية والتشكيك في المسار الديمقراطي للمغرب، ونشر العزوف الانتخابي بين المواطنين، وتبخيس العمل السياسي.
وبين «زعفة» وأخرى، كان عباس يقرأ خطابه «التاريخي» الطويل، مرة ينهر أحد المصورين ويقول له مبعثرا ما بين حاجبيه «راك برزطتيني أسيدي»، ومرة «يزعف» على بعض المؤتمرين الذين كانوا يوشوشون في آذان بعضهم البعض عندما كان عباس يتلو خطابه التاريخي.
لكن «الفرشة» الحقيقية التي اقترفها عباس في المؤتمر هي عندما قال للمؤتمرين بأن خطابه الكامل سيكون منشورا في جريدة «العلم»، التي وصفها بأنها جريدة لا تبيع لأنها لا تحب «التقصار» عكس الجرائد الأخرى التي تبيع بفضل الفضائح، وأنه سيختصر خطابه حتى لا يصيب المؤتمرين بالملل. والحقيقة أن ما قاله عباس يعتبر جرأة سياسة كبيرة، فهو الزعيم الحزبي والوزير الأول الوحيد الذي تجرأ على الاعتراف بأن خطابه مثير للملل. رحم الله عبدا عرف قدر نفسه.
عباس لديه مشكل قديم مع الصحافة. فهي في نظره تمارس «التشيطين» وتخرب صورة البلد ولا ترى سوى السلبيات. لم يحدث أن هاجم وزير أول في المغرب أو في غيره من البلدان صحافة بلاده مثلما يصنع عباس اليوم. أكثر من ذلك، فهو يرى أن الصحافة التي يدينها القضاء هي صحافة بدون مصداقية.
وينسى أن يقول في الطريق أن القضاء الذي تقف أمامه هذه الصحافة هو الذي بدون مصداقية لأنه قضاء غير مستقل وغير عادل، بشهادته هو عندما كان وزيرا بدون حقيبة في حكومة جطو وكان بعض مرشحي حزبه يتابعون بتهمة الفساد الانتخابي، فطلب من القضاة أن يستمعوا إلى ضمائرهم لا إلى هواتفهم المحمولة.
وهكذا فحسب عباس الصحافة التي تفضح عزوف البرلمانيين عن حضور جلسات مناقشة القوانين والميزانيات الحكومية هي التي تشجع المواطنين على العزوف الانتخابي، وليس عزوف البرلمانيين عن المجيء إلى البرلمان، رغم أنهم يتقاضون نظير ذلك أربعة ملايين في الشهر من أموال دافعي الضرائب.
والصحافة التي تفضح متابعة الاستقلالي عبد الحق التازي زعيم الأغلبية الحكومية في مجلس المستشارين، بسبب امتناعه عن دفع ضرائبه وديونه لسبعة أبناك، هي التي تخرب البلاد وتشوه صورتها، وليس أمثال هؤلاء المستشارين والسياسيين والأثرياء الذين يتهربون من دفع ضرائبهم للدولة ككل عباد الله.
والصحافة التي تفضح «أكل» نقابة الاستقلالي بنجلون لحقوق المستخدمين بالامتناع عن دفع انخراطاتهم الشهرية في صندوق الضمان الاجتماعي، هي المسؤولة عن نشر اليأس والعدمية بين الطبقات الشعبية، وليس أمثال هؤلاء النقابيين الذين يعطون الدروس للدولة ويهددونها بالإضراب دفاعا عن مصالح الطبقات العاملة، في الوقت الذي لا يتورعون عن «طحن» حقوق وعظام هذه الطبقات عندما تتجرأ على المطالبة برواتبها المهضومة. كما صنعت ليلى بن الصديق ابنة الزعيم التاريخي للاتحاد العام المغربي للشغل في القنيطرة عندما داست على أجساد مستخدميها بعد ان داست على حقوقهم المهنية التي يكفلها لهم قانون الشغل.
وكم نحن شاكرون وممتنون لعباس «الفرشة» لأنه كشف أمام مؤتمريه وضيوفه أن «قشابته» و«قشابة» وزراء حكومته واسعة جدا، إلى درجة أنهم يترفعون عن مقاضاة الصحافيين وجرجرتهم أمام القضاء.
ونحن إذ نشكره على «وسوعية الخاطر» هذه، نطالبه فقط بأن يوسع خاطره أكثر وينفض الغبار عن تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير، وأن يحرك المتابعة ضد كل من اتهمهم قضاة المجلس بتبذير أموال دافعي الضرائب واختلاسها. فهذا هو الدور الأساسي للقضاء وللوزير الأول بوصفه الآمر بالصرف في المملكة. فكل درهم يضيع من خزائن الدولة تقع على عباس مسؤوليته.
عباس يمن على الصحافيين الذين ينتقدونه وينتقدون حكومته بكونه يترفع عن مقاضاتهم. طبعا هذا من حقه. لأنه لو كان لدينا قضاء مستقل وعادل لكان عباس الفاسي أول من يقف أمامه لكي يتحمل نصيبه من المسؤولية في فضيحة «النجاة» التي ذهب ضحيتها ثلاثون ألف شاب مغربي، انتحر منهم أربعة إلى اليوم بسبب اليأس.
هذا هو اليأس الحقيقي الذي لا يريد عباس أن يعترف بمسؤوليته في انتشاره بين الشباب، وليس اليأس الذي تنشره الصحافة. فلم يثبت إلى حدود اليوم أن مواطنا مغربيا انتحر بسبب مقال نشرته إحدى الصحف حول تردي القدرة الشرائية للمواطنين أو حول وصول الحوار الاجتماعي إلى الباب المسدود. بينما نقرأ يوميا عن انتحار الشباب المغربي غرقا في قعر مياه المتوسط طمعا في الوصول إلى الضفة الأخرى هربا من «الحكرة» والبطالة والوعود العباسية المعسولة. ونقرأ يوميا عن محاولات انتحارية للدكاترة العاطلين والمكفوفين بالبنزين داخل مقرات حكومية، كما وقع في وزارة نزهة الصقلي مؤخرا.
فهل الصحافة هي المسؤولة عن كل هذا الاحتياطي الفادح من اليأس الاجتماعي. إن المسؤول الأول والأخير عن اليأس الاجتماعي والإحباط السياسي الذي يعيشه المغاربة هي طبقته السياسية التي مرغت العمل الحزبي في الوحل، وسفهت العمل البرلماني، وميعت المناصب الوزارية حتى صارت تعهد إلى من لا يحمل حتى شهادة البكالوريا.
هل هناك تيئيس للطبقات الشعبية العاملة أكبر من تدخل جهات نقابية وحكومية في العدل من أجل إطلاق سراح ليلى بن الصديق ابنة النقابي المحجوب بن الصديق، وعدم متابعتها قضائيا رغم دهسها لتسعة مواطنين في الشارع العام.
أمثال هؤلاء الأبناء المدللين الذين يطحنون عظام أبناء الشعب في الشوارع هم الذين يجب أن يقفوا أمام القضاء، وليس الصحافة التي تفضحهم يا سيد عباس.
للأسف الشديد ليست لدينا في المغرب برامج تلفزيونية ساخرة كتلك التي لدى الدول الديمقراطية. ولو كان لدينا برنامج من هذا النوع لوجد في «فرشات» عباس الفاسي مادة صالحة لملء ساعات طويلة من البث. والدليل على أن عباس عليه «الضومونض»، ليس فقط في حزبه وإنما أيضا في «يوتوب»، هو أن شريط «اضحك مع عباس» الذي يعرض كلمته الافتتاحية في قصر المونكلوا بمدريد حيث حرف اسم رئيس الحكومة الإسبانية وأطلق عليه اسم امرأة، شاهده أكثر من عشرين ألفا بمجرد وضعه على الشبكة.