ذهب المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، إلى باريس لكي يلتقي مستثمرين ورجال أعمال فرنسيين ويقنعهم بشيء واحد، وهو أن المغرب يحقق نسبة نمو اقتصادي تعتبر من بين نسب النمو الأعلى في العالم. فالتقارير الدولية الأخيرة التي تكلمت عن المغرب، لم تكن رحيمة به إطلاقا، وصنفته جنبا إلى جنب مع الدول الإفريقية الخارجة توا من الحروب الأهلية والمجاعة.
وربما كان على المندوب السامي للتخطيط أن يطلع رجال الأعمال الفرنسيين، لكي يقنعهم بالرخاء الاقتصادي الذي يرفل فيه المغرب، على نتائج التقرير الذي نشر في باريس هذه الأيام والذي يضع المغاربة ضمن عشرة أهم زبائن محلات الموضة والمجوهرات الفرنسية الراقية.
فمثل هذه التقارير المتفائلة والتي تظهر الوجه المشرق للمغرب، هي الوحيدة القادرة على مجابهة تقارير البنك الدولي واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (البنود) وغيرها من المؤسسات الدولية المتشائمة والحاقدة على المغرب ورخائه الاقتصادي.
فإلى جانب المغاربة الذين يقصدون باريس بحثا عن لقمة العيش ويعودون بعد عشر سنوات محملين بالشاي والند والصابون للأهل والأقرباء، هناك مغاربة يقصدونها مرة في الأسبوع لاقتناء الأحذية المصنوعة من جلد التمساح، وفساتين السهرة المصممة بأنامل «ديور» (الرجاء عدم الخلط بين ديور وديور الجامع)، وإيف سان لوران وأرماني (والإشارة هنا إلى شخص آخر طبعا غير أرماني وزير التشغيل)، وغيرهم من مصممي الأزياء الذين يكلف الفولار الواحد الذي يحمل توقيعهم ما تتلقاه عائلة مغربية من تعويضات على المرض من صناديق «الكنوبس» طيلة حياتها.
المغرب بخير، والاقتصاد يحقق نسبة نمو هائلة، والأوراش على قدم وساق. فقط الصحافة، التي تعتمد المؤسسات الدولية عليها كثيرا في إنجاز تقاريرها، لا تتحدث إلا عن القطارات التي لا تصل في موعدها. وطبعا لا نقصد قطارات ربيع الخليع التي أصبحت هذه الأيام تستعين بالتاكسيات لإكمال الرحلة، كما وقع في عين السبع بالدار البيضاء الأسبوع الماضي. وهذه ربما إحدى طرق ترشيد استعمال الكهرباء من طرف المكتب الوطني للسكك الحديدية. فعوض حرق الكهرباء يفضل ربيع الخليع حرق أعصاب المسافرين، فهذا يبقى أقل تكلفة. وإذا سارت الأمور بهذه الوتيرة، ونحن في بداية البرنامج الصيفي للشركة، فربما ندخل لا قدر الله إلى عهد استعمال الكارو الذي تجره البغال والحمير ضمن خدمات السكك الحديدية. هكذا تتحقق بشارة ربيع الخليع الذي تنبأ منذ أشهر، في إشهاره العجيب، بقطارات مجرورة بخيول سوداء. مع فارق بسيط في الفصيلة الحيوانية طبعا.
المغرب فوق السلك. هذه إذن هي «أغنية الصيف» التي بدأنا نسمعها تتردد في أكثر من منصة. بدأها وزير المالية مزوار في برنامج «حوار»، عندما تحدث عن الدروس التي يقدمها الاقتصاد المغربي لدول العالم الكبرى التي تتباكى على فقدانها لتوازنها الاقتصادي، ولم يفته طبعا أن يشكر قوات الأمن التي قامت بواجبها في سيدي إفني وأعادت الطمأنينة للمدينة. دون أن يكلف نفسه أن يشرح لنا كيف يحقق المغرب كل هذه النسبة المهمة من النمو، من دون بقية دول العالم، في الوقت الذي تخرج فيه مدينة بكاملها إلى الشارع لكي تحتج على غياب ضمادات وحقن وحبات أسبرين وأطباء في المستشفى العمومي، وتطالب بشق طريق، وتوسيع الميناء وتوفير الشغل لأبناء المدينة فيه.
لا بد أن هناك خللا ما في هذا النمو الاقتصادي الذي يبشر به وزير المالية. فإما أنه غير موجود سوى في مخيلة البعض، وإما أنه موجود بالفعل، لكنه يعود بالنفع فقط على تلك الفئة القليلة من المغاربة التي تذهب نهاية كل أسبوع إلى باريس لكي «تتقضى» في بوتيكات الشانزيليزي أزياء سهراتها ومجوهرات أعراسها الخيالية التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة.
وفي الوقت الذي كان فيه وزير المالية يحاول إقناع المغاربة بترديد أغنية «كولو العام زين» التي رددها سابقوه ومل المغاربة سماعها، كان الحليمي في باريس يردد ترجمة الأغنية بالفرنسية على مسامع رجال المال والأعمال، حتى لا «ينخدعوا» بنشيد الحوريات وينجذبوا وراء صفارات إنذار المؤسسات الدولية التي تحذر تقاريرها المستثمرين الأجانب من المغامرة بأموالهم في بلاد الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
ولعل آخر من ردد هذه الأغنية على مسامع المعارضة هو الوزير الأول عباس الفاسي عندما استقبل أقطابها في مقر وزارته الأسبوع الماضي. وقد اشتكى إليهم هذا الإصرار على رؤية الجزء الفارغ من الكأس دون جزئه المملوء. وعباس معذور في شكواه، فهو رغم سنواته الطويلة في السياسة لم يستوعب بعد مغزى تلك الحكمة المغربية التي تقول «يديرها الكاس أعباس».
والواضح أن «الإخوان» في الحكومة والدولة وبقية المؤسسات الموالية لهم، من «حركة لكل الديمقراطيين» و«المركز الاستشاري لحقوق الإنسان» وصحافة «البوماضا» وغيرهم، يريدون بأي ثمن أن يجبروا الجميع على رؤية مغرب آخر لا يوجد سوى في صالوناتهم المغلقة في الرباط والدار البيضاء.
لأن المغرب الذي نراه كل يوم ونعيش فيه كل يوم لا تظهر عليه آثار هذه «النعمة» الاقتصادية التي ذهب المندوب السامي للتخطيط إلى باريس ليبشر بها الفرنسيين. اللهم إذا كان توظيف ابنه مؤخرا في صندوق الإيداع والتدبير في منصب للمسؤولية، يعتبر أحد مؤشرات التنمية المستدامة. أدامها الله نعمة على الباكوري وعلى أصحابه أجمعين. فكذلك يكون «ترويج» أموال اليتامى والمحاجر والأرامل وإلا فلا.
ولكي يستمر المغرب في تسلق سلالم هذا النمو الاقتصادي، فهناك عدة تدابير تم اتخاذها لترشيد النفقات في كثير من المؤسسات. منها إدارة السجن المحلي بسلا التي اتخذت قرارا بمنع السجناء من إدخال الخضر والزيت إلى السجن. لأن هذه المواد يستهلك طهيها الطاقة الكهربائية.
والكهرباء كما تعلمون يكلف ميزانية المكتب الوطني للكهرباء الكثير من المال. ولذلك كان ضروريا اتخاذ هذا القرار لترشيد النفقات. ومن أجل المحافظة على الطاقة الكهربائية يمكن أن يذهب البعض في المغرب إلى التضحية بالسعرات الحرارية لأجسام السجناء. ولو أن الأجدر بترشيد نفقاته هو السيد يونس معمر، مدير المكتب الوطني للكهرباء، والذي وصلت فواتير تلفونه «البلاك بوري» الشهرية إلى 40 مليون سنتيم. فضلا عن بعض مديريه الذين وصلت فواتيرهم إلى 25 ألف درهم في الشهر، بسبب تقنية «البلاك بوري» التي تمكن مستعمليه من التواصل والتوصل بالمعطيات بالأقمار الصناعية. وبدقة للنيف طبعا.
ومن غريب الصدف أنه في الوقت الذي يبشر عباس الفاسي بزمن الرخاء الاقتصادي ويدعونا لرؤية نصف الكأس المملوءة يبادر هو منذ أسبوع لجني ثمار هذه النعمة. ولهذا السبب أعطى عباس الفاسي أوامره المطاعة (على الأقل لازالت أوامره مطاعة في عقر داره) ببناء سياج حديدي فوق سور مقر الحزب بباب الحد. حتى يحصن الحزب من هجمات جحافل المعطلين المفاجئة التي تنتهي باقتحام القلعة الاستقلالية وأخذها كرهينة مقابل وظائف عمل.
فقد فهم المعطلون وأصحاب المطالب أن الحل الأخير هو أن «يتبعو الكذاب حتى لباب الدار»، وإذا اقتضى الأمر أن يقتحموا الدار ويصعدوا للسطح.
لذلك يستطيع الحليمي ومزوار وعباس الفاسي وحرزني وغيرهم أن ينشدوا معزوفتهم المملة، فلا أحد عاد يصدقها. وأحسن طريقة لإقناع المغاربة والأجانب بعكس ما تقوله التقارير الدولية، هو تحسين واقع المغاربة عوض تحسين انعكاس صورة هذا الواقع. فالواقع اليومي عندما سيتحسن فإن صورته المنعكسة في مرايا التقارير الدولية ستتحسن بدورها تلقائيا. وهذا طبعا ليس حلا سحريا يجب أن تكون دافيد كوبرفيلد لكي تقوم به، وإنما وصفة سهلة وبسيطة يقتضي إعدادها أن تضحي تلك الفئة القليلة المستفيدة من خيرات هذه «التنمية المستدامة» عليها وعلى أبنائها، بنصيب من الكعكة لبقية المغاربة الذين يتحلقون حول مائدة الوطن ويلتقطون الفتات.
من العار أن يتحدث هؤلاء عن تحقيق المغرب لنسبة نمو مرتفعة عالميا وفي الوقت نفسه نسمع أن هناك مواطنين في دواوير في إقليم أزيلال لازالوا يستعملون نعوش الموتى في نقل النساء الحوامل والمرضى إلى مستشفى المدينة.
إذا كان النمو الاقتصادي يقود بالضرورة إلى مثل هذه النتائج، فيجب على ماركس أن يندم في قبره على تأليفه لكتابه «رأس المال». لأنه لو كان لايزال حيا وشاهد النموذج الاقتصادي المغربي لألف كتابا يكون عنوانه «راس البلا».
وربما كان على المندوب السامي للتخطيط أن يطلع رجال الأعمال الفرنسيين، لكي يقنعهم بالرخاء الاقتصادي الذي يرفل فيه المغرب، على نتائج التقرير الذي نشر في باريس هذه الأيام والذي يضع المغاربة ضمن عشرة أهم زبائن محلات الموضة والمجوهرات الفرنسية الراقية.
فمثل هذه التقارير المتفائلة والتي تظهر الوجه المشرق للمغرب، هي الوحيدة القادرة على مجابهة تقارير البنك الدولي واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (البنود) وغيرها من المؤسسات الدولية المتشائمة والحاقدة على المغرب ورخائه الاقتصادي.
فإلى جانب المغاربة الذين يقصدون باريس بحثا عن لقمة العيش ويعودون بعد عشر سنوات محملين بالشاي والند والصابون للأهل والأقرباء، هناك مغاربة يقصدونها مرة في الأسبوع لاقتناء الأحذية المصنوعة من جلد التمساح، وفساتين السهرة المصممة بأنامل «ديور» (الرجاء عدم الخلط بين ديور وديور الجامع)، وإيف سان لوران وأرماني (والإشارة هنا إلى شخص آخر طبعا غير أرماني وزير التشغيل)، وغيرهم من مصممي الأزياء الذين يكلف الفولار الواحد الذي يحمل توقيعهم ما تتلقاه عائلة مغربية من تعويضات على المرض من صناديق «الكنوبس» طيلة حياتها.
المغرب بخير، والاقتصاد يحقق نسبة نمو هائلة، والأوراش على قدم وساق. فقط الصحافة، التي تعتمد المؤسسات الدولية عليها كثيرا في إنجاز تقاريرها، لا تتحدث إلا عن القطارات التي لا تصل في موعدها. وطبعا لا نقصد قطارات ربيع الخليع التي أصبحت هذه الأيام تستعين بالتاكسيات لإكمال الرحلة، كما وقع في عين السبع بالدار البيضاء الأسبوع الماضي. وهذه ربما إحدى طرق ترشيد استعمال الكهرباء من طرف المكتب الوطني للسكك الحديدية. فعوض حرق الكهرباء يفضل ربيع الخليع حرق أعصاب المسافرين، فهذا يبقى أقل تكلفة. وإذا سارت الأمور بهذه الوتيرة، ونحن في بداية البرنامج الصيفي للشركة، فربما ندخل لا قدر الله إلى عهد استعمال الكارو الذي تجره البغال والحمير ضمن خدمات السكك الحديدية. هكذا تتحقق بشارة ربيع الخليع الذي تنبأ منذ أشهر، في إشهاره العجيب، بقطارات مجرورة بخيول سوداء. مع فارق بسيط في الفصيلة الحيوانية طبعا.
المغرب فوق السلك. هذه إذن هي «أغنية الصيف» التي بدأنا نسمعها تتردد في أكثر من منصة. بدأها وزير المالية مزوار في برنامج «حوار»، عندما تحدث عن الدروس التي يقدمها الاقتصاد المغربي لدول العالم الكبرى التي تتباكى على فقدانها لتوازنها الاقتصادي، ولم يفته طبعا أن يشكر قوات الأمن التي قامت بواجبها في سيدي إفني وأعادت الطمأنينة للمدينة. دون أن يكلف نفسه أن يشرح لنا كيف يحقق المغرب كل هذه النسبة المهمة من النمو، من دون بقية دول العالم، في الوقت الذي تخرج فيه مدينة بكاملها إلى الشارع لكي تحتج على غياب ضمادات وحقن وحبات أسبرين وأطباء في المستشفى العمومي، وتطالب بشق طريق، وتوسيع الميناء وتوفير الشغل لأبناء المدينة فيه.
لا بد أن هناك خللا ما في هذا النمو الاقتصادي الذي يبشر به وزير المالية. فإما أنه غير موجود سوى في مخيلة البعض، وإما أنه موجود بالفعل، لكنه يعود بالنفع فقط على تلك الفئة القليلة من المغاربة التي تذهب نهاية كل أسبوع إلى باريس لكي «تتقضى» في بوتيكات الشانزيليزي أزياء سهراتها ومجوهرات أعراسها الخيالية التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة.
وفي الوقت الذي كان فيه وزير المالية يحاول إقناع المغاربة بترديد أغنية «كولو العام زين» التي رددها سابقوه ومل المغاربة سماعها، كان الحليمي في باريس يردد ترجمة الأغنية بالفرنسية على مسامع رجال المال والأعمال، حتى لا «ينخدعوا» بنشيد الحوريات وينجذبوا وراء صفارات إنذار المؤسسات الدولية التي تحذر تقاريرها المستثمرين الأجانب من المغامرة بأموالهم في بلاد الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
ولعل آخر من ردد هذه الأغنية على مسامع المعارضة هو الوزير الأول عباس الفاسي عندما استقبل أقطابها في مقر وزارته الأسبوع الماضي. وقد اشتكى إليهم هذا الإصرار على رؤية الجزء الفارغ من الكأس دون جزئه المملوء. وعباس معذور في شكواه، فهو رغم سنواته الطويلة في السياسة لم يستوعب بعد مغزى تلك الحكمة المغربية التي تقول «يديرها الكاس أعباس».
والواضح أن «الإخوان» في الحكومة والدولة وبقية المؤسسات الموالية لهم، من «حركة لكل الديمقراطيين» و«المركز الاستشاري لحقوق الإنسان» وصحافة «البوماضا» وغيرهم، يريدون بأي ثمن أن يجبروا الجميع على رؤية مغرب آخر لا يوجد سوى في صالوناتهم المغلقة في الرباط والدار البيضاء.
لأن المغرب الذي نراه كل يوم ونعيش فيه كل يوم لا تظهر عليه آثار هذه «النعمة» الاقتصادية التي ذهب المندوب السامي للتخطيط إلى باريس ليبشر بها الفرنسيين. اللهم إذا كان توظيف ابنه مؤخرا في صندوق الإيداع والتدبير في منصب للمسؤولية، يعتبر أحد مؤشرات التنمية المستدامة. أدامها الله نعمة على الباكوري وعلى أصحابه أجمعين. فكذلك يكون «ترويج» أموال اليتامى والمحاجر والأرامل وإلا فلا.
ولكي يستمر المغرب في تسلق سلالم هذا النمو الاقتصادي، فهناك عدة تدابير تم اتخاذها لترشيد النفقات في كثير من المؤسسات. منها إدارة السجن المحلي بسلا التي اتخذت قرارا بمنع السجناء من إدخال الخضر والزيت إلى السجن. لأن هذه المواد يستهلك طهيها الطاقة الكهربائية.
والكهرباء كما تعلمون يكلف ميزانية المكتب الوطني للكهرباء الكثير من المال. ولذلك كان ضروريا اتخاذ هذا القرار لترشيد النفقات. ومن أجل المحافظة على الطاقة الكهربائية يمكن أن يذهب البعض في المغرب إلى التضحية بالسعرات الحرارية لأجسام السجناء. ولو أن الأجدر بترشيد نفقاته هو السيد يونس معمر، مدير المكتب الوطني للكهرباء، والذي وصلت فواتير تلفونه «البلاك بوري» الشهرية إلى 40 مليون سنتيم. فضلا عن بعض مديريه الذين وصلت فواتيرهم إلى 25 ألف درهم في الشهر، بسبب تقنية «البلاك بوري» التي تمكن مستعمليه من التواصل والتوصل بالمعطيات بالأقمار الصناعية. وبدقة للنيف طبعا.
ومن غريب الصدف أنه في الوقت الذي يبشر عباس الفاسي بزمن الرخاء الاقتصادي ويدعونا لرؤية نصف الكأس المملوءة يبادر هو منذ أسبوع لجني ثمار هذه النعمة. ولهذا السبب أعطى عباس الفاسي أوامره المطاعة (على الأقل لازالت أوامره مطاعة في عقر داره) ببناء سياج حديدي فوق سور مقر الحزب بباب الحد. حتى يحصن الحزب من هجمات جحافل المعطلين المفاجئة التي تنتهي باقتحام القلعة الاستقلالية وأخذها كرهينة مقابل وظائف عمل.
فقد فهم المعطلون وأصحاب المطالب أن الحل الأخير هو أن «يتبعو الكذاب حتى لباب الدار»، وإذا اقتضى الأمر أن يقتحموا الدار ويصعدوا للسطح.
لذلك يستطيع الحليمي ومزوار وعباس الفاسي وحرزني وغيرهم أن ينشدوا معزوفتهم المملة، فلا أحد عاد يصدقها. وأحسن طريقة لإقناع المغاربة والأجانب بعكس ما تقوله التقارير الدولية، هو تحسين واقع المغاربة عوض تحسين انعكاس صورة هذا الواقع. فالواقع اليومي عندما سيتحسن فإن صورته المنعكسة في مرايا التقارير الدولية ستتحسن بدورها تلقائيا. وهذا طبعا ليس حلا سحريا يجب أن تكون دافيد كوبرفيلد لكي تقوم به، وإنما وصفة سهلة وبسيطة يقتضي إعدادها أن تضحي تلك الفئة القليلة المستفيدة من خيرات هذه «التنمية المستدامة» عليها وعلى أبنائها، بنصيب من الكعكة لبقية المغاربة الذين يتحلقون حول مائدة الوطن ويلتقطون الفتات.
من العار أن يتحدث هؤلاء عن تحقيق المغرب لنسبة نمو مرتفعة عالميا وفي الوقت نفسه نسمع أن هناك مواطنين في دواوير في إقليم أزيلال لازالوا يستعملون نعوش الموتى في نقل النساء الحوامل والمرضى إلى مستشفى المدينة.
إذا كان النمو الاقتصادي يقود بالضرورة إلى مثل هذه النتائج، فيجب على ماركس أن يندم في قبره على تأليفه لكتابه «رأس المال». لأنه لو كان لايزال حيا وشاهد النموذج الاقتصادي المغربي لألف كتابا يكون عنوانه «راس البلا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق