2007-11-06

رسالة اعتذار إلى بنت الفشوش

أخيرا خرجت مريم بنجلون، المعروفة أكثر ببنت الفشوش، عن صمتها وقررت أن تدافع عن نفسها وأن تعطي للرأي العام نبذة عن حياتها وعائلتها وهواياتها المحببة ومشاريعها المستقبلية.

ففي حوار مع «الأيام» فتحت البنت المدللة للوزير ومستشار الحسن الثاني السابق، مجيد بنجلون، قلبها للجمهور، دون أن تنسى فتح النار على الصحافة التي تناولت فضائحها المتكررة بالتغطية، أو بالتعرية على الأرجح.

وقد كان الجميع ينتظر من مريم بنجلون أن تقدم اعتذارها لكل الذين نالهم أذاها، وخصوصا تلك الشرطية المسكينة التي دهستها بسيارتها وأرسلتها إلى العناية المركزة لمجرد أنها طلبت منها أوراق السيارة، إلا أننا نكتشف أن مريم بنجلون ليست مدمنة فقط على شم الغبرة، وإنما أيضا على ذر الغبرة في العيون لإخفاء الحقائق عن الأنظار.

فعوض أن تعتذر للشرطية على ما ألحقته بها من كسور مزدوجة وكدمات متعددة، أخطرها تلك التي طالت روح وكرامة الشرطية، نندهش ونحن نسمعها تتحدث عن تفاصيل تلك الحادثة كما لو كانت الشرطية هي التي ارتمت بمحض إرادتها فوق السيارة ثم سقطت فوق الطوار وتكسرت عظامها.

هكذا تلخص بنت الفشوش حادثة خطيرة كادت تفقد شرطية حياتها في مجرد نزاع لفظي بسيط بسبب مخالفة بسيطة. والأفظع من ذلك هو أن مريم بنجلون تتحدث بأسف عن مرآة سيارتها التي كررت أكثر من مرة أنها تكسرت، ولم تتأسف ولو للحظة واحدة على عظام الشرطية التي تكسرت هي أيضا. كما لو أن مصير مرآة سيارة ابنة وزير سابق أهم بكثير من حياة شرطية.

وليست الشرطية في نظر مريم بنجلون هي المخطئة وحدها في حقها، وإنما الصحافة أيضا. ولمعلومات كل الصحافيين الذين كتبوا حول فضائح بنت الفشوش أنهم مدعوون لتقديم اعتذارهم العلني لها في جرائدهم ومجلاتهم في أقرب وقت. فبنت الفشوش تحذركم جميعا وتصرح قائلة «لن ألتزم الصمت بعد اليوم، أقل ما يمكن أن تفعله الصحافة في حقي أن تعتذر عما كتبته عني».

ولأنني واحد من المعنيين بتقديم هذا الاعتذار، لكوني كتبت عن بنت الفشوش في أكثر من فضيحة، فإنني أبادر إلى تقديم اعتذاري لمريم بنجلون وعائلتها الكريمة. فأنا لم أكن أعرف أنها تربت في كنف القصر الملكي بين الأمراء والأميرات، وأنها كانت تقاسم ولي العهد سيدي محمد لعبه في غرفته. لم أكن أعرف أنها كانت تقاسم الأمراء والأميرات رياضة التزحلق على الجليد وركوب الخيل. الآن وقد رأيت ألبوم الصور الذي تفتخر به مريم منشورا في الجريدة، فإنني أقف أمامها مرعوبا ومرتعشا وغارقا في الخجل من نفسي طالبا للصفح. فقد أخطأت في حقها كثيرا عندما اتهمتها بأنها سحقت الشرطية بسيارتها، فامرأة مثل مريم تعبر عن أسفها الشديد لفقدانها مرآة سيارتها بسبب شرطية ثقيلة الدم، مسموح لها ليس فقط أن تدهس هذه الشرطية بسيارتها وإنما أن تدهس جميع أفراد عائلتها. فالعائلة المغربية الحقيقية هي عائلة أحمد مجيد بنجلون وأمثالها، والتي يقول في وصف أحد أفرادها سعادة الوزير السابق «هل يجب أن نرمي بمريم بنجلون إلى التهلكة لأنها ارتكبت خطأ، أن نرمي بها إلى السجن مع معتقلي الحق العام، مع السجينات اللواتي قتلن وسرقن». حاشى لله أن تبقى ابنة الوزير السابق في السجن مع الحثالة والعوام والدهماء. فأخطاء أمثالها من البنات والبنين تمحى من السجلات العدلية قبل أن يجف دم ضحاياهم في الطرقات. ألم يصدر في حق ابن العنصر الذي قتل مواطنا بسيارته وهو في كامل عربدته حكم بالسجن مع وقف التنفيذ. لقد راعى جناب القاضي المحترم في حكمه ظروف التخفيف حتى لا يفقد ابن سعادة الوزير وظيفته، رغم أنه تسبب في فقدان مواطن مغربي لحياته.

في الحقيقة لقد أسأنا نحن الصحافيين لمريم بنجلون وعائلتها. فنحن لجهلنا الكبير بتاريخ المغرب لم نكن نعرف أن السيد مجيد بنجلون بعد خدمته للدولة المغربية طيلة خمسين سنة كاملة وجد نفسه بدون ممتلكات ولا يستطيع حتى سد حاجيات أسرته، وأن كل ما يملكه هو التقاعد الذي منحه إياه محمد السادس.

والحقيقة أننا لا نملك غير أن نقول لسعادة الوزير السابق يحسن عوانك، فحاجيات أسرته، وخصوصا حاجيات مريم من الغبرة، لا يستطيع أن يتحملها حتى مدير البنك الدولي فبالأحرى أن يتحملها وزير سابق. فالغرام الواحد من الكوكايين يساوي حوالي ألف درهم، ومريم محتاجة إلى غرام كل يوم، ومن يضرب الحساب سيخرج له المجموع، هذا إذا لم يخرج له العقل مكان المجموع.

وكمن يفتخر بمنجزات ابنته قدم سعادة الوزير السابق في الأنباء، والذي كانت إحدى مهامه هي فرض الرقابة على ما ينشر في الصحف، ألبوم الصور العائلي قائلا «الصور التي ترين والتي أفتخر بتزيين أرجاء الفيلا بها، يمكن أن تعطيك فكرة أكثر من دالة، فهذه زوجتي وهي تتحدث إلى ولي العهد في لقاء خاص، وهذه ابنتي مع الأميرة لالة أمينة».

والحقيقة أن فتح سعادة الوزير السابق لألبوم صوره لم يكن اعتباطيا، فهو أراد أن يعطي للمغاربة كما قال «فكرة أكثر من دالة» على مفهوم العائلة لديه ولدى أمثاله من المسؤولين السابقين والحاليين من خلال الصور.

وهذا يكشف عن انتهازية كبيرة واستغلال فاضح لأفراد من العائلة الملكية لتبييض صورة تكسوها «الغبرة» من كل جانب. ولعل عائلة بنجلون وهي تكشف للرأي العام عن صورها الشخصية كانت تعرف أنها توظف أعلى مؤسسة في البلاد كدرع يحمي ابنتها من المتابعة القانونية المحتملة في حالة ارتكاب مخالفات في المستقبل. أي قاض سيجرؤ بعد اليوم على محاكمة مريم بنجلون وهو يعرف أنها كانت تقاسم ملك البلاد لعبه في حدائق القصر، وتقاسم الأميرات هواية ركوب الخيل والتزحلق على الجليد. كيف يمكن أن تحاكم امرأة محاكمة عادلة وأمها وأبوها يشهران أمام الجميع صورهم وهم يقبلون يد الحسن الثاني أو يوشوشون في أذن محمد السادس. وقد ذهبت عائلة بنجلون بعيدا عندما أشهرت للرأي العام صورة تجمعها بالأميرة أمينة عمة محمد السادس، وتظهر خلفهما طاولة وضعت فوقها قناني مختلفة من المشروبات الروحية.

عائلة أحمد مجيد بنجلون ليست سوى نموذج مصغر لعائلات كثيرة موجودة في المغرب، لا يسري القانون عليها وعلى أبنائها. إنهم نوع من العائلات الحاصلة على ظهائر توقير غير مكتوبة. بالنسبة إلى هؤلاء المحظوظين فالعقوبات السجنية وجدت فقط من أجل الآخرين، أما هم وأبناؤهم فالعفو وجد لكي يكون من نصيبهم.

ومن المفارقات العجيبة التي تصدمنا في لقاء عائلة بنجلون بالصحافة هو كون سعادة الوزير السابق يشكو الحاجة وقلة ذات اليد، وفي الوقت ذاته تتبجح ابنته مريم بالحديث عن هواياتها البورجوازية قائلة أن حياتها كانت موزعة بين الغولف وركوب الخيل وشم الغبرة، لدرجة أنها من كثرة الركوب لم تكن تعرف المشي في الأزقة والشوارع. والحقيقة أنها بعد كل الذي صنعته في تلك الشرطية المسكينة فمريم لا تعرف فقط المشي، ولكن حتى السوكان مكاتعرف منين تجيه.

على العموم لا يسعنا في الختام سوى أن نطلب المسامحة من مريم وعائلتها الموقرة، وكل ما يمكن أن نقوله هو «الله يعفو عليكم منا، ويعفو علينا منكم».

ليست هناك تعليقات: