2007-09-11

الوجبة المسمومة

يظهر أن كثيرا من السياسيين المشاركين في الانتخابات لم يستوعبوا جيدا الرسالة التي وجهها إليهم الشعب المغربي الجمعة الماضية. وفي الوقت الذي كان يجب على هؤلاء السياسيين الحزبيين أن يعترفوا بأن عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات هو تصويت صريح وواضح في حد ذاته، بدؤوا يلقون باللائمة على الشعب الذي لم يتجاوب مع برامجهم الانتخابية ولم يكلف نفسه مشقة التحرك إلى مكاتب التصويت للقيام بواجبه الوطني. حتى أن هناك جريدة مستقلة كتبت يوم الاقتراع أن الامتناع عن التصويت جريمة لا تغتفر. وعلى هذا الأساس فهناك اليوم ملايين المجرمين المغاربة الذين قرروا التخلي عن القيام بهذا الواجب الوطني، ويجب على شكيب بنموسى وزير الداخلية أن يفتح تحقيقا تمهيدا لاعتقالهم بتهمة الإخلال بالواجب الوطني.
هناك زعماء حزبيون آخرون لم يجدوا تبريرا آخر لفشلهم في الانتخابات سوى القول بأن الشعب لم يتجاوب مع مشروع الجيل الجديد من الإصلاحات الذي تقدموا به في الانتخابات. ونسي هؤلاء الزعماء أنهم أتوا بجيل جديد من الإصلاحات ولكن احتفظوا بالجيل القديم من الصنطيحات.
وعندما سأل صحافي في قناة الجزيرة أحد هؤلاء عشية الإعلان عن هزيمتهم عن سبب هذه الهزيمة قال له أن حزبه ترشح في إطار الكتلة، وأن النتائج التي حصلت عليها الكتلة تضعه معها في المرتبة الأولى.
وهذا ذكرني بذلك الشاوش الذي ذهب لكي يطلب يد فتاة من والدها، فسأله هذا الأخير عن المرتب الشهري الذي يربح، فقال له الشاوش :
- أنا والقايد كانشدو تسعين ألف...
وهذه واحدة من أم المهازل في الحياة السياسية المغربية، أن ينتهي محمد اليازغي زعيم الحزب الذي كانت لديه أكبر قوة برلمانية قبل عشر سنوات، مختبئا وراء جلايل عباس الفاسي، الذي نجح بالكشيفة في العرائش. وشخصيا أعتقد أن لعباس الفاسي علاقة غامضة بالبحر ورجاله. ففي انتخابات 2002 استطاع حزبه أن يحصل على عشرات الآلاف من الأصوات بفضل هدية النجاة المسمومة عندما كان حينها وزيرا للتشغيل، ووعد عشرات الآلاف من الشباب بوظائف فوق بواخر في أعالي البحار. واليوم استطاع أن يعود إلى البرلمان بفضل أصوات بحارة العرائش، كما لو أن الرجل واقفة معاه عيشة البحرية الله يستر.
أحد المواطنين علق ساخرا عندما سمع وزير الداخلية وهو يتحدث عن العازفين عن التصويت ينطق نسبة المشاركة المتدنية بصعوبة بالغة، إلى درجة أن أسنانه العلوية كانت تطحن الأرقام والحروف فوق أسنانه السفلية فتخرج مقرشلة، وقال :
- حنا ماشي عازفين عن التصويت، حنا زاعفين أوصافي أسي بنموسى...
وقد لخص هذا المواطن الزعفان حكاية نسبة المشاركة المتدنية في اقتراع يوم الجمعة. وأجاب مكان الآخرين مدام فتحية بنيس نائبة نور الدين عيوش في جمعية 2007 دابا التي صرحت لإحدى الجرائد يوم الاقتراع بأنها تنتظر أن تصل نسبة المشاركة في التصويت إلى سبعين بالمائة.
وها نحن نرى أن مدام فتحية بنيس ربما كانت لديها دراية كبيرة في هزان مسؤوليات كثيرة لكن ليست لها دراية كبيرة فهزان الخط. لأن الذي وقع هو أن سبعين بالمائة التي كانت تحلم بها فتحية بنيس هي بالضبط التي لم تذهب للتصويت. ربما فقط تخلطت العرارم على مدام فتحية، فهم في جمعية دابا 2007 ظلوا يحسبون وحدهم، ولذلك فمن الطبيعي أن يشيط لهم.
والذين تابعوا الندوة الصحافية التي أعلن فيها وزير الداخلية عن نتائج التصويت، لا بد أنهم شاهدوا نبيل بنعبد الله وزير الاتصال مطويا على جوج في الصف الأمامي. فالرجل الذي كان يتحدث عن القضاء على سراق الزيت في التلفزيون كما لو كان بايغون المغرب الجديد، وكيف أنه رفع راية الحداثة وذهب لكي يغرسها في دائرة تمارة ليحرر سكانها من الخطر الذي يتهددهم، رأيناه جالسا بوجه بعثرته الحسرة وهو يرى مديرة مكتبه بوزارة الاتصال فتيحة العيادي تنجح في بنغرير مع مول التراكتور فؤاد عالي الهمة، بينما هو الوزير الذي يختار أي وقت يمر فيه في أي واحدة من قنواته الكثيرة لم يستطع أن يضمن مقعده البرلماني. وهذه سنة الحياة، ويوجد في بنغرير ما لا يوجد في الرباط.
أما أمينه العام مولاي إسماعيل العلوي الذي قال أنه ضحى من أجل الحزب وكلف على نفسه وذهب ليترشح في تاونات، فلم يكن حظه أحسن من حظ بنعبد الله. والغريب في أمر هؤلاء الزعماء والوزراء الذين قرروا ترشيح أنفسهم في دوائر لا يسكنونها أنهم لم يصوتوا على أنفسهم، لأنهم مجبرون قانونيا على التصويت في الدوائر التي يسكنون بها. وبعد ذلك يشتكي هؤلاء من عدم تصويت المواطنين لأجلهم. سيرو بعدا حتى تصوتو على روسكم عاد طلبو الناس يصوتو عليكم.
وعكس ما ذهب إليه وزير الداخلية الذي قال بأن نسبة المشاركة كانت دون المتوقع، فأنا شخصيا أعتقد جازما بأن الشعب المغربي صوت بكثافة وعبر عن اختياره السياسي بوضوح. لقد منح المغاربة أصواتهم بالأغلبية، أي بنسبة 63 بالمائة للحزب الأكبر في المغرب، والذي يحمل اسم «حزب الأغلبية الزاعفة».
هؤلاء الزاعفون عن الانتخابات صوتوا لصالح الرفض. ولذلك فإن ادعاء وزير الداخلية بأن هذه النسبة الضعيفة تحدث في دول كثيرة هي مجرد محاولة لقراءة رسالة الشعب من القفا. كما أن اتهام الأحزاب التي فشلت في الانتخابات للمواطنين بالتخلف عن أداء الواجب الوطني، هو مجرد محاولة للبحث عن مشجب يعلقون عليه خسارتهم.
الشعب المغربي صوت بكثافة، لكن دون أن يتحرك نحو مكاتب التصويت. وحتى الذين كلفوا أنفسهم الذهاب للتصويت ألقى منهم حوالي مليون مواطن ورقة بيضاء أو ملغاة.
نحن اليوم أمام برلمان صوت عليه ثمانية وثلاثون بالمائة فقط من المواطنين الذين هم في سن التصويت. وبين هؤلاء الثمانية والثلاثين هناك أكثر من ستين بالمائة في البوادي. أي أن أكثر من ستين بالمائة من الذين صوتوا هم أميون ولم يمسكوا قلما في حياتهم إلا داخل مخادع مكاتب التصويت يوم الجمعة الماضية.
أما ثلاثة وستون بالمائة من المغاربة فإنهم غير معنيين بهؤلاء النواب البرلمانيين الذين نجحوا في الانتخابات. وغير معنيين بالتشكيلة الحكومية التي ستخرج منهم، وغير معنيين باسم الوزير الأول الذي سيختاره الملك وسطهم.
إن هذه الانتخابات طبخة ستصيب الشعب عما قريب بعسر في الهضم. ولعل ما وقع لمراقبين وعناصر من الشرطة والقوات المساعدة بمكتب التصويت بمراكش يوم الاقتراع يخفي في طياته دلالات عميقة. فقد تسببت أكلة دجاج جلبتها الولاية لعناصر مكتب التصويت في تسميمهم بالكامل وانتهت بهم الوجبة المسمومة في غرفة الإنعاش بمستشفى المامونية.
على الأقل إذا لم تنفع هذه الانتخابات في شيء فإنها على الأقل نبهت المغاربة إلى خطر التسمم، خصوصا عندما يكون مصدره مركز تجاري مشهور كمرجان يعرف الجميع إلى أي شركة قابضة تعود أسهمه.
تعليقك على

ليست هناك تعليقات: