2007-09-30

لائحة المتهمين

من بين أغرب التعليقات التي قرأتها حول الانتفاضة الشعبية التي وقعت في صفرو، أن السلطات تقوم بحملة اعتقالات واسعة لمعرفة سبب وقوع أعمال الشغب. ولكي نعفي السلطات الأمنية من إضاعة المزيد من الوقت في البحث عمن يقف وراء إحراق المؤسسات العمومية بصفرو يسرنا أن نتعاون معهم ونعطيهم أسماء هؤلاء المشاغبين المجرمين الذين ألحقوا كل هذا الخراب بمدينة هادئة ومسالمة. فنحن في الجريدة نتوفر على صورهم واحدا واحدا، ولدينا عناوينهم وأسماؤهم، حتى أننا نتوفر على صور بعضهم وهم متورطون في جرائمهم.
أعرف أن وزير الداخلية يتحرق شوقا لكي نعطيه هذا الكنز الصغير الذي سيمكنه من إغلاق ملف هذه الانتفاضة التي أفلتت من سيطرته. ولذلك فلن نطيل عليه في الكلام وسنتعاون معه لكي يقبض على هؤلاء المجرمين الذين يهددون أمن المملكة الشريفة.

من خلال كل الصور التي أتوفر عليها أستطيع أن أقول بدون تردد أنني تعرفت على الرأس المدبر الذي حرك كل هؤلاء الثائرين وأفقدهم السيطرة على أعصابهم. وهذا الشخص هو نفسه الذي أراه دائما في الصور التي تصلني عن المظاهرات وأعمال الشغب التي تندلع هنا وهناك. وهو عندما يأتي لا يفعل ذلك بمفرده، وإنما يصطحب معه عصابته الإجرامية التي لا تخطئها العين. ومن خلال الصور استطعت أن أتعرف على وجه «الحكرة» وملامح «الإهانة» وتكشيرة أنياب «القمع». وقد كانوا مندسين بين المتظاهرين ينتظرون فقط الفرصة المواتية لكي يفجروا الوضع. وهكذا عندما تقدم أحد عمداء الشرطة من الصف الأمامي للمتظاهرين وضرب بحذائه فجأة فتاة مسالمة في بطنها فأغمي عليها وسقطت أرضا، شعرت «الحكرة» أن الوقت المناسب لإشعال الفتيل قد حان، لكن «القمع» لم يكن متفقا معها، وطلب منها أن تنتظر قليلا حتى تلتحق بهم «الإهانة»، فهي كانت مشغولة بالاستماع إلى استنكارات المواطنين واحتجاجاتهم الخافتة على ضرب فتاة مسالمة بركلة في بطنها وإسقاطها أرضا وهي صائمة. وفجأة أشهر عميد الأمن هاتفه اللاسلكي وانهال به على رأس فتاة أخرى كانت واقفة في مقدمة الصف. وهنا لم تستطع «الحكرة» و«الإهانة» أن تتمالكا أعصابهما أمام «القمع» فاندفعتا بين المتظاهرين وناقلتين خبر ركل عميد الشرطة لواحدة من بنات المدينة في بطنها وضرب أخرى على رأسها بالهاتف اللاسلكي، فصعدت الدماء إلى الرؤوس وتحول الواقفون إلى كتلة من الغضب تتقدم في شوارع المدينة وتحطم كل ما تجده في طريقها.

نعم سعادة وزير الداخلية، لقد رأيت في الصور وجوه هؤلاء المجرمين الذين تسببوا في ما تسمونه بأعمال الشغب. فأنا لا يمكن أن أخطئهم، لأنني طيلة ثلاثة عقود قضيتها في هذه البلاد أدمنت على رؤية وجوههم في كل مكان يندلع فيه غضب شعبي.

لذلك أدعوكم إلى وقف المتابعات والاعتقالات في حق شباب مدينة صفرو، لأنهم أبرياء. فالمتهمون الحقيقيون لازالوا طليقين وأحرارا، وغالبا ما يحظون بحماية رجالكم. رجالكم الذين فاتكم أن تعلموهم كيف يحترمون النساء عندما يخرجن للدفاع عن خبزهن اليومي، فلا يركلونهن في بطونهن مثل كرة من الأسمال البالية. لقد دربتموهم سعادة الوزير على القمع الشرس إلى درجة أنني رأيتهم يضربون الرجال في أعضائهم التناسلية أمام البرلمان، حتى يفقدوهم رجولتهم إلى الأبد.

وبعد كل هذا تأتون اليوم وتطلقون حملة اعتقالات واسعة بحثا عن الذين كانوا وراء اندلاع أعمال الشغب في صفرو. وكأنكم لا تعرفون من يقف وراء كل الذي يحدث هذه الأيام في الكثير من مناطق المغرب.

بالأمس اجتمعتم بتعليمات من الملك مع وزراء هذه الحكومة للبحث عن أسباب هذا الانفلات الأمني واتخاذ إجراءات عاجلة لوقف زحف الأسعار. وكأنكم لا تعرفون أن هذه الحكومة التي انتميتم إليها طيلة خمس سنوات هي التي تتحمل المسؤولية المباشرة عما وقع في صفرو وما يقع في خنيفرة وتطوان ومناطق أخرى من المغرب المنسي.

والكارثة أنه لكي تجتمعوا كان ضروريا أن يبعث الملك في طلبكم، وكأنكم قدمتم استقالتكم من الحكومة وغسلتم أيديكم من ملفات الشعب.
والذي يرى النتيجة التي خرج بها وزير الداخلية من وراء اجتماعه ببعض وزراء الحكومة يستخلص نتيجة مفادها أن الإخوة الذين في الفوق لم يفهموا بعد سبب كل هذه الانفجارات الشعبية التي تحدث هنا وهناك. لذلك فقد لخصوها في الماطيشة والبطاطا والبصلة والخبز. وتعهدوا بالقضاء على المضاربين في هذه الخضروات الأساسية. وفاتهم أن المشكل أعمق من بطاطا وماطيشا والخبز. لأن المغاربة لا يعيشون فقط بالخبز والخضر، فهناك الدواء وفواتير الماء والكهرباء والضرائب وتكاليف المدرسة والملبس والمسكن. أي باختصار هناك حرب منظمة ضد المواطنين على جميع الجبهات، وليس المشكل في الخبز والبطاطا فقط. إن من يريد حصر أسباب انتفاضة صفرو وغيرها من الانتفاضات الشعبية في الخبز كمن يريد ذر الرماد في العيون. الناس يشكون من غلاء المعيشة وليس من غلاء الخبز وحده. هناك اليوم تخلي تام للدولة عن المواطن في مواجهة السوق. والدولة لم تعد تتذكره إلا عندما تريد استخلاص ضرائبها.

كم يضحكني تصريح عباس الفاسي الذي يقول فيه هذه الأيام أن وزراء الأغلبية الحالية سيعودون للحكومة المقبلة لأنهم منسجمون في ما بينهم. كم هو مفرح أن نعرف أن وزراءنا منسجمون في ما بينهم، هم منسجمون فيما بينهم فقط أما معنا نحن فمتنافرون بالمرة. ولعل أكبر المنسجمين في هذه الحكومة هو عباس الفاسي. فقد قرر أن يكون منسجما مع نفسه وأن يقاطع قناة الجزيرة بسبب طرحها سؤالا عليه أثناء المباشر يتعلق بفضيحة النجاة. ولكي يرضى عباس عن الجزيرة ويرفع مقاطعته لها فهو لا يطلب أكثر من اعتذار بسيط.

ولكم أن تتأملوا قليلا هذا الانسجام الكبير الذي يعبر عنه عباس الفاسي، فهو يطلب من الجزيرة أن تعتذر له عن فضيحة النجاة، في الوقت الذي ينتظر ثلاثون ألف ضحية منذ أكثر من خمس سنوات أن يتنازل عباس ويقدم لهم اعتذارا بسيطا عن تورطه في هذه الفضيحة. ولعل عباس أحسن من يطبق المثل الشعبي «ضربني و بكا سبقني و شكا».

وعباس لم يعد يحتمل أن يذكره أحد بهذه الفضيحة التي ارتبطت باسمه، ولذلك فإنني أقترح عليه أن يغير اسمه من عباس الفاسي إلى الفاسي عباس. هكذا عندما سيذكر اسم الفاسي عباس فلن تكون له نفس الرنة الفضائحية التي لعباس الفاسي.

والحقيقة أن عباس آخر واحد يمكن له أن يتحدث عن الانسجام الحكومي، فالوزير ليس منسجما حتى في اسمه. فهو عباس وفاسي ومزداد في بركان. ثلاثة أشياء لا علاقة تربط بينها.

وعندما سمعت أن المتظاهرين في صفرو طاردوا برلماني المدينة الاستقلالي، ورجموا بيته بالحجارة، بحثت عن جريدة حزب الاستقلال لعلي أقرأ موقف الحزب. لكن مفاجئتي كانت كبيرة عندما وجدت أن أقدم جريدة في المغرب لم تخصص لأخطر انتفاضة في عهد محمد السادس سوى فقرة صغيرة جدا لم تتجاوز تسعة أسطر. وكأن ما وقع لم يحدث في صفرو وإنما في البيرو.

وقلت مع نفسي أن التعتيم بدأ حتى قبل أن يشكل عباس الفاسي حكومته، أما عندما ستتشكل الحكومة تحت قيادة سعادته فسيتحول المغرب في جريدة الحزب والإعلام العمومي (الذي يحمر في حقيبته عبد الله البقالي) إلى جنة فيحاء. حتى ولو كانت رائحة هذه الجنة تفوح مباشرة من العجلات الملتهبة ومقرات المؤسسات العمومية المحترقة.

هاد الشي غير باقي مادرنا فالطاجين مايتحرق وشوفو الروايح اللي طالعة منو .

ليست هناك تعليقات: