لا بد أن عباس الفاسي سيكون قد التقط إشارة الغاضبين في مدينة صفرو الذين قصدوا بيت برلماني المدينة الاستقلالي ورشقوا نوافذه بالحجارة. فهذا أول امتحان أمام حكومة عباس التي لم تتشكل بعد. ويبدو أن ما وقع في صفرو مساء وليلة الأحد مؤشر حقيقي على أن الأيام التي تنتظر عباس على رأس الحكومة ستكون صعبة جدا. فليس هناك أحد كان ينتظر أن يرى مدينة صفرو الهادئة التي لا نكاد نسمع عنها شيئا خارج مسابقات ملكات جمالها وفاكهة حب الملوك، وقد قررت فجأة في لحظة غضب أن تنزل تاج الجمال من فوق رأسها وأن تنزع عنها مساحيقها وأن تظهر وجهها الآخر. الوجه الحقيقي لمدينة كانت إلى حدود الثمانينات إحدى أجمل مناطق المغرب، قبل أن تتدهور الفلاحة وتجتاحها أحزمة الفقر.
كل شيء بدأ بوقفة احتجاجية ضد ارتفاع الأسعار، قبل أن تتطور الأمور بعد مشادات مع كوميسير إلى إطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع. وفي لحظة واحدة تحولت المدينة إلى منطقة خارج السيطرة، وأشعل الغاضبون النيران في العجلات المطاطية وبقايا الأغصان اليابسة التي قطعتها البلدية وتركتها في جانب الطريق، كما كسروا الطوارات التي تركها عمال البلدية على الأرصفة واستعملوها في رشق قوات التدخل السريع. الذين عاشوا هذه اللحظات الساخنة شبهوا ما وقع بما يرونه كل مساء في نشرات أخبار الجزيرة وهي تعرض ما يدور في قطاع غزة. شبان ملثمون يتراكضون بين الأزقة ودخان كثيف يدمع العين ويسد التنفس، واعتقالات بالعشرات. وفي مركز الأمن كان هناك من مسيري فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى قاصرين تم اقتيادهم من الشارع إلى جرحى جلبوهم من المستشفى.
الجميع يتحدث عن سبب واحد لاندلاع كل هذه الفوضى. ضربة طائشة من الكوميسير لأحد المحتجين أججت غضب الواقفين، فوضعوا الكوميسير وسطهم وانهالوا عليه بالضرب. وهنا تدخلت قوات الأمن وبدأ الضرب في كل الجهات. فتمت مهاجمة مقر البنك وأحرق مقر الأمن وسدت الطرق بالطوارات والإطارات المحترقة. وعندما جاءت الطراكس لكي تحرر الطريق رشقوا سائقها بالحجارة فنزل منها وهرب وترك الطراكس بين أيديهم. فركبوا فيه وتوجهوا نحو السجن المحلي في محاولة لتحطيم بابه وإطلاق سراح السجناء، وعندما فشلوا في تحطيم الباب أحرقوا الطراكس وتركوها هناك. وعندما مروا بسيارة أحد المقدمين لم يفتهم أن يحرقوها أيضا.
هذا ما يسمى عند وزارة الداخلية بالانفلات الأمني. ومسؤولية هذا الانفلات مشتركة بين الأمن والمشاغبين الذين ألحقوا الأذى بممتلكات الناس وبالإدارات العمومية. فالأمن لم يفهم بعد أن كل ما يطلبه المواطنون هو الحوار، وليس الطرش. وقد انتهى ذلك الزمان الذي كان فيه الحوار الوحيد الممكن مع المغاربة هو الضرب، اليوم عندما طرش شرطي مواطنا في الدار البيضاء قبل أسبوع وجد نفسه فجأة مقيدا داخل بيت عائلة المواطن، مجردا من سلاحه وأصفاده، مضروبا عن آخره.
وقبل أمس عندما ضرب كوميسير مواطنا في صفرو وجد نفسه وسط المواطنين تحت رحمة لكماتهم وركلاتهم. يجب أن يفهم هؤلاء أن الأمور لا تحل دائما بالعنف، هناك لغة أخرى اسمها الحوار يجب أن يتعلموها، لأنها لغة التفاهم المستقبلية مع المغاربة، وليس لغة يد من الفوقانية.
اليوم هناك تهديدات حقيقية بفلتان أمني مشابه في كثير من مناطق المغرب المنسي، في أغبالو بإقليم خنيفرة يعتقلون المواطنين ويضربونهم لمجرد أن 350 امرأة من نسائهم نظمن مسيرة احتجاجية لإثارة انتباه المسؤولين للتهميش والإقصاء الذي يتعرضون له. في أصميم اعتقلوا الناس لمجرد أنهم احتجوا على تفويت مصدر المياه الوحيد الذي يشربون منه ويسقون به حرثهم وبهائمهم لأحد المستثمرين الأجانب لكي يستغل مياه العين في تعبئتها وبيعها كمياه معدنية. أليست جريمة ما بعدها جريمة أن يحرموا الناس من مصدر مياههم الوحيد ويفوتونه للغرباء لكي يربحوا من ورائه الأموال الطائلة على حساب عطش المغاربة وأبنائهم. وفوق ذلك يتساءلون لماذا يحتج الناس ويخرجون في مظاهرات غاضبة، وكأنهم ينتظرون من الذين منعوا من مصدر مائهم الوحيد أن يخرجوا مهللين مطبلين لاستقبال هذا المستثمر الأجنبي ويفرشوا له الطريق بالورود والزرابي.
الغريب في أمر هؤلاء المسؤولين أنهم عندما شاهدوا النسبة الضئيلة للمواطنين الذين ذهبوا للتصويت بدأوا يتحدثون عن وجود حزب اسمه الأغلبية الصامتة، وأجمعوا على أن الحل الوحيد هو الاستماع إلى صوت هذه الأغلبية الصامتة. إذن لماذا يصمون آذانهم عندما تخرج هذه الأغلبية الصامتة إلى الشارع لتعبر عن نفسها. هادي هيا طلع تاكل الكرموص نزل شكون كالها ليك. عبرو على روسكم، وملي تخرجو تعبرو تخلا دار بوكم.
إن ما يحدث اليوم في الكثير من مناطق المغرب المنسي من احتجاجات ومصادمات مع رجال الأمن، ليس سوى نتاج لأزمة اجتماعية خانقة أججتها هذه الهجمة الشرسة على جيوب المغاربة، والتي تسبب فيها هذا الارتفاع الأهوج للأسعار. فالحكومة السابقة حررت أسعار المواد الغذائية وتركت المواطنين وجها لوجه مع أرباب الشركات والمقاولين الجشعين الباحثين عن الربح السريع، وتخلت عن واجبها في رفع الأجور وتحريك حدها الأدنى من مكانه الذي لم يغادره منذ عشر سنوات. وفي أثناء هذا الوقت تفرغت الشركات الكبرى المتحكمة في صناعة المواد الغذائية لنشر نتائج أرباحها في الصحف. كما لو أنها تصنع ذلك لكي تفقص المواطنين وهي تشرح لهم أين تذهب أموالهم.
المشكلة أن الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على المدنيين، فقد رأينا كيف أن رجال شرطة في وجدة رفضوا التوجه لمقرات عملهم لأداء الواجب، في حركة احتجاجية غير مسبوقة في المغرب بسبب الظلم المهني الذي تعرضوا له.
إن التعامل مع مطالب المواطنين دائما على أساس أنها سخوينة الراس، وأن الحل الوحيد الموجود هو القمع والسجن، ليس دائما حلا موفقا. يجب الجلوس إلى الطاولة وفتح الملف الاجتماعي على مصراعيه. لم يعد الآن ممكنا أن يسير المغرب بهاتين السرعتين المختلفتين كلية. مغرب يعيش وآخر يحتضر ببطء.
الحكومة التي ستتشكل، لديها امتحان حاسم ومصيري يجب أن تجتازه. لقد وعدوا الناس بالشغل خلال الحملة الانتخابية، ووعدوهم بتحسين الخدمات الطبية، وبدعم القدرة الشرائية والرفع من الرواتب. ويبدو أن القوت قد حان للتأكد من صدق هذه الوعود.
إن رائحة العجلات المحترقة القادمة من صفرو ليست سوى جرس الإنذار الذي يجب أن يأخذه الجميع على محمل الجد. لا أحد يريد أن يسمع بانتفاضة خبز جديدة. والحل هو أن الجميع في المغرب يجب أن يأكل الخبز، ماشي شي ياكل وشي يشوف.
كل شيء بدأ بوقفة احتجاجية ضد ارتفاع الأسعار، قبل أن تتطور الأمور بعد مشادات مع كوميسير إلى إطلاق الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع. وفي لحظة واحدة تحولت المدينة إلى منطقة خارج السيطرة، وأشعل الغاضبون النيران في العجلات المطاطية وبقايا الأغصان اليابسة التي قطعتها البلدية وتركتها في جانب الطريق، كما كسروا الطوارات التي تركها عمال البلدية على الأرصفة واستعملوها في رشق قوات التدخل السريع. الذين عاشوا هذه اللحظات الساخنة شبهوا ما وقع بما يرونه كل مساء في نشرات أخبار الجزيرة وهي تعرض ما يدور في قطاع غزة. شبان ملثمون يتراكضون بين الأزقة ودخان كثيف يدمع العين ويسد التنفس، واعتقالات بالعشرات. وفي مركز الأمن كان هناك من مسيري فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى قاصرين تم اقتيادهم من الشارع إلى جرحى جلبوهم من المستشفى.
الجميع يتحدث عن سبب واحد لاندلاع كل هذه الفوضى. ضربة طائشة من الكوميسير لأحد المحتجين أججت غضب الواقفين، فوضعوا الكوميسير وسطهم وانهالوا عليه بالضرب. وهنا تدخلت قوات الأمن وبدأ الضرب في كل الجهات. فتمت مهاجمة مقر البنك وأحرق مقر الأمن وسدت الطرق بالطوارات والإطارات المحترقة. وعندما جاءت الطراكس لكي تحرر الطريق رشقوا سائقها بالحجارة فنزل منها وهرب وترك الطراكس بين أيديهم. فركبوا فيه وتوجهوا نحو السجن المحلي في محاولة لتحطيم بابه وإطلاق سراح السجناء، وعندما فشلوا في تحطيم الباب أحرقوا الطراكس وتركوها هناك. وعندما مروا بسيارة أحد المقدمين لم يفتهم أن يحرقوها أيضا.
هذا ما يسمى عند وزارة الداخلية بالانفلات الأمني. ومسؤولية هذا الانفلات مشتركة بين الأمن والمشاغبين الذين ألحقوا الأذى بممتلكات الناس وبالإدارات العمومية. فالأمن لم يفهم بعد أن كل ما يطلبه المواطنون هو الحوار، وليس الطرش. وقد انتهى ذلك الزمان الذي كان فيه الحوار الوحيد الممكن مع المغاربة هو الضرب، اليوم عندما طرش شرطي مواطنا في الدار البيضاء قبل أسبوع وجد نفسه فجأة مقيدا داخل بيت عائلة المواطن، مجردا من سلاحه وأصفاده، مضروبا عن آخره.
وقبل أمس عندما ضرب كوميسير مواطنا في صفرو وجد نفسه وسط المواطنين تحت رحمة لكماتهم وركلاتهم. يجب أن يفهم هؤلاء أن الأمور لا تحل دائما بالعنف، هناك لغة أخرى اسمها الحوار يجب أن يتعلموها، لأنها لغة التفاهم المستقبلية مع المغاربة، وليس لغة يد من الفوقانية.
اليوم هناك تهديدات حقيقية بفلتان أمني مشابه في كثير من مناطق المغرب المنسي، في أغبالو بإقليم خنيفرة يعتقلون المواطنين ويضربونهم لمجرد أن 350 امرأة من نسائهم نظمن مسيرة احتجاجية لإثارة انتباه المسؤولين للتهميش والإقصاء الذي يتعرضون له. في أصميم اعتقلوا الناس لمجرد أنهم احتجوا على تفويت مصدر المياه الوحيد الذي يشربون منه ويسقون به حرثهم وبهائمهم لأحد المستثمرين الأجانب لكي يستغل مياه العين في تعبئتها وبيعها كمياه معدنية. أليست جريمة ما بعدها جريمة أن يحرموا الناس من مصدر مياههم الوحيد ويفوتونه للغرباء لكي يربحوا من ورائه الأموال الطائلة على حساب عطش المغاربة وأبنائهم. وفوق ذلك يتساءلون لماذا يحتج الناس ويخرجون في مظاهرات غاضبة، وكأنهم ينتظرون من الذين منعوا من مصدر مائهم الوحيد أن يخرجوا مهللين مطبلين لاستقبال هذا المستثمر الأجنبي ويفرشوا له الطريق بالورود والزرابي.
الغريب في أمر هؤلاء المسؤولين أنهم عندما شاهدوا النسبة الضئيلة للمواطنين الذين ذهبوا للتصويت بدأوا يتحدثون عن وجود حزب اسمه الأغلبية الصامتة، وأجمعوا على أن الحل الوحيد هو الاستماع إلى صوت هذه الأغلبية الصامتة. إذن لماذا يصمون آذانهم عندما تخرج هذه الأغلبية الصامتة إلى الشارع لتعبر عن نفسها. هادي هيا طلع تاكل الكرموص نزل شكون كالها ليك. عبرو على روسكم، وملي تخرجو تعبرو تخلا دار بوكم.
إن ما يحدث اليوم في الكثير من مناطق المغرب المنسي من احتجاجات ومصادمات مع رجال الأمن، ليس سوى نتاج لأزمة اجتماعية خانقة أججتها هذه الهجمة الشرسة على جيوب المغاربة، والتي تسبب فيها هذا الارتفاع الأهوج للأسعار. فالحكومة السابقة حررت أسعار المواد الغذائية وتركت المواطنين وجها لوجه مع أرباب الشركات والمقاولين الجشعين الباحثين عن الربح السريع، وتخلت عن واجبها في رفع الأجور وتحريك حدها الأدنى من مكانه الذي لم يغادره منذ عشر سنوات. وفي أثناء هذا الوقت تفرغت الشركات الكبرى المتحكمة في صناعة المواد الغذائية لنشر نتائج أرباحها في الصحف. كما لو أنها تصنع ذلك لكي تفقص المواطنين وهي تشرح لهم أين تذهب أموالهم.
المشكلة أن الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على المدنيين، فقد رأينا كيف أن رجال شرطة في وجدة رفضوا التوجه لمقرات عملهم لأداء الواجب، في حركة احتجاجية غير مسبوقة في المغرب بسبب الظلم المهني الذي تعرضوا له.
إن التعامل مع مطالب المواطنين دائما على أساس أنها سخوينة الراس، وأن الحل الوحيد الموجود هو القمع والسجن، ليس دائما حلا موفقا. يجب الجلوس إلى الطاولة وفتح الملف الاجتماعي على مصراعيه. لم يعد الآن ممكنا أن يسير المغرب بهاتين السرعتين المختلفتين كلية. مغرب يعيش وآخر يحتضر ببطء.
الحكومة التي ستتشكل، لديها امتحان حاسم ومصيري يجب أن تجتازه. لقد وعدوا الناس بالشغل خلال الحملة الانتخابية، ووعدوهم بتحسين الخدمات الطبية، وبدعم القدرة الشرائية والرفع من الرواتب. ويبدو أن القوت قد حان للتأكد من صدق هذه الوعود.
إن رائحة العجلات المحترقة القادمة من صفرو ليست سوى جرس الإنذار الذي يجب أن يأخذه الجميع على محمل الجد. لا أحد يريد أن يسمع بانتفاضة خبز جديدة. والحل هو أن الجميع في المغرب يجب أن يأكل الخبز، ماشي شي ياكل وشي يشوف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق