2007-09-30

صائمون والله أعلم

اندهش المصلون في طنجة عندما ذهبوا لأداء صلاة التراويح والفجر في مسجد محمد الخامس فوجدوه مغلقا. وقد تصور بعضهم أن أحد الأجانب المقيمين بجانب المسجد اشتكى للسلطات بسبب صوت المؤذن وصدى التكبيرات التي يرددها المصلون، فعمدت إلى إغلاقه حرصا على راحته كما وقع في درب المنابهة بمراكش قبل رمضان بأيام قليلة.

وهكذا تفرق المصلون الطنجاويون راكضين بسرعة نحو مساجد أخرى لإدراك صلاة التراويح التي تقام قبل الفجر. وفي الغد جاء الخبر اليقين. فالسبب في إغلاق المسجد فجر الجمعة هو أن الملك سيصلي فيه صلاة الظهر. وحمد الناس الله وشكروه لأن المسجد لم يغلق إلى الأبد، كما حدث في مراكش.

لكنهم عندما ذهبوا في الغد لأداء صلاة الجمعة إلى جانب الملك لم يكونوا ينتظرون أن يمنعهم حرسه الخاص من مغادرة المسجد بعد إنهاء الصلاة. فقد أغلقوا الأبواب في وجوههم، هذه المرة من الداخل، وأجبروهم على البقاء في المسجد إلى حين مغادرة الملك.

لكن الفتوى التي يطلبها المغاربة اليوم أكثر من أي شيء آخر ليست هي حكم الشرع في من يغلق مسجدا في وجه المصلين، ولكن الفتوى التي يطلبها المواطنون هذه الأيام هي ما حكم الشرع في من صام وأفطر على تمر إسرائيلي، هل صيامه جائز أم باطل.

والسبب وراء هذه الفتوى هو انتشار تمور إسرائيلية في الأسواق المغربية بكثرة هذه الأيام. وبعد شيوع الخبر وانتشار القلق بين الناس بدأ باعة التمور يتخلصون من الكارطون الذي يأتي داخله التمر والذي يحمل طابع «صنع في إسرائيل»، وبعض الكلمات المكتوبة بالعبرية، ويعرضون التمور بدون تلفيف حتى يسهل عليهم بيعها.

إحدى المجلات المشهورة باستهتارها بكل ما له علاقة بعقيدة المغاربة قالت بأن الأمر ليس فيه أي إشكال، لأن التمر ليس إسرائيليا مادام أنه من أرض فلسطين. ولا بد أن المدافعين عن هذا التطبيع الغذائي ينسون أن العائدات المالية لهذه التمور لا تذهب إلى بيت مال القدس، ولكن مباشرة إلى خزينة إسرائيل.

هكذا نكتشف أن وزارة التجارة الإسرائيلية ليست بحاجة للدفاع عن صادراتها إلى المغرب، لأن هناك بيننا من يجيد القيام بهذا «الواجب» على أحسن وجه.

ويبدو والله أعلم أن وزير الأوقاف، الذي ختم فترة وجوده على رأس وزارة الأوقاف بإصدار أمر بإغلاق مسجد بمراكش اشتكت من أذانه فرنسية تملك رياضا بالقرب منه، لا علم له بهذه الفتنة التي انتابت الناس هذه الأيام بسبب التمور الإسرائيلية. فهو، كغيره من الوزراء، يستعد لوضع المفاتيح والخروج من الحكومة.

وإذا كانت كل الوزارات هذه الأيام تشبه البيوت المهجورة بسبب الفراغ الحكومي الذي يسبق تعيين الحكومة الجديدة، فإن بعض الوزراء استغلوا هذه الفجوة لتعيين الأقارب والأحباب وتمرير قوانين في الدقائق الأخيرة من عمر الحكومة.

السي العنصر وزير الفلاحة لم يجد وقتا آخر يرقي فيه داخل وزارته عضوين في حزب الحركة الشعبية سوى الأسبوع الأخير. وفعل ذلك على حساب أطر كانت تنتظر فرصتها منذ سنوات. كما أن العنصر لكي يغرس مسامير جحا في وزارة الفلاحة والصيد البحري شرع قبل أسبوع في تغيير رؤساء مندوبيات الصيد البحري التابعة لوزارته وتعويضهم برجاله. حتى يجد الوزير الجديد القادم إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري مسامر الميدة القادمين من الحركة الشعبية.

أما وزير الطاقة والمعادن السي محمد بوثعلب، الذي تكردع بالمناسبة في الانتخابات البرلمانية، فلم يجد وقتا مناسبا يصدر فيه مرسوما في الجريدة الرسمية يقضي بتمديد مدة عيش بوطات الغاز التي يستعملها المواطنون في بيوتهم من 25 سنة إلى 40 سنة. وليس هذا فقط، وإنما إلغاء إجبارية اختبار البوطات ثمان مرات ما بين كل ثلاث سنوات كما كان قائما، وتعويضها باختبار أربع مرات فقط ما بين كل عشر سنوات.

هكذا يوقع سعادة وزير الطاقة على قرار يسمح لشركات الغاز باستعمال البوطات لأربعين سنة مع تقليص مدة اختبارها. وفي كل البلدان التي تحرص على سلامة مواطنيها فإن إجراءات السلامة والوقاية تعرف تشديدا مستمرا، وكلما صدر قرار عن وزير يسير قطاعا حساسا وله علاقة بالسلامة البشرية إلا وكان هذا القرار في صالح المواطنين وليس في صالح الشركات الكبرى التي لا تبحث سوى عن الربح، حتى ولو كان ذلك أحيانا على حساب سلامة المواطنين وأمنهم.

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا انتظر السيد بوثعلب حتى بقيت له أيام قليلة على مغادرته للوزارة فأصدر هذا المرسوم. لماذا لم يصدره قبل هذا التاريخ.

ولمصلحة من صدر هذا القرار، هل لمصلحة ثلاثين مليون مغربي الذين يمتلكون في بيوتهم قنينة غاز واحدة على الأقل، أم لمصلحة الشركات الموزعة لقنينات الغاز.

والواقع أننا عندما نلقي نظرة على ما يصدر في الجريدة الرسمية هذه الأيام نصاب فعلا بالذهول. فبعد قراءتنا لمرسوم بوثعلب، نكتشف مرسوما طريفا للعنصر وزير الفلاحة تحت عنوان «قرار لوزير الفلاحة والتنمية القروية والصيد البحري صادر في 8 شعبان المتعلق بتجارة ماء الحياة والمنتجات المشابهة». يشرح فيه وزير الفلاحة، سابقا، في شهر شعبان المبارك، في الفقرة 19 ماذا تعني الماحية وما هي شروط تقطيرها في المغرب. وفي المرسوم المعدل الذي أصدره الوزير تقنين مفصل وصارم لصناعة الماحيا، حيث تأتي السلامة الصحية في مقدمة انشغالات السيد الوزير. وهكذا نقرأ في الفصل 11 ما يلي «لا تمنح الرخصة إلا إذا كانت الورشات المعنية بإعداد أو تعبئة أو تخزين هذه المشروبات تستوفي الشروط التالية: توفير مساحة كافية تسمح بإجراء كل العمليات في أحسن الظروف، احترام الشروط الصحية المحددة في المواصفات المغربية المتعلقة بالمبادئ العامة للصحة الغذائية، استيفاء الشروط المحددة لحفظ وتخزين المواد الغذائية، توفر معدات آلية لتنظيف القارورات وتعبئة هذه المشروبات».

ولو أن الحكومة المنشغلة بتطبيق شروط السلامة الغذائية في صناعة الماحيا، تطبق هذه الشروط نفسها على الصناعات الغذائية الأخرى، لما وصلنا إلى كل هذه النسبة العالية من التسممات الغذائية التي تهدد المغاربة يوميا. وعلى ذكر التسمم الغذائي فقد قرر بعض الموظفين الذين قدموا لهم وجبة دجاج فاسدة في أحد مكاتب التصويت في مراكش، رفع دعوى ضد وزارة الداخلية. فالوزارة تخلت عن هؤلاء الموظفين والمتطوعين الذين تسمموا بسبب أكلة دجاج جلبتها لهم الداخلية من مرجان، وعندما دخلوا المستعجلات تركتهم يتدبرون أمورهم من جيوبهم، ومنهم من لازالت مضاعفات التسمم تهدد حياته.

والحقيقة أنه إذا كان هناك من ضحايا للانتخابات الأخيرة فهم هؤلاء الذين تسمموا بالدجاج في مكتب مراكش، أما بقية المغاربة فلديهم خمس سنوات كاملة ليتسمموا فيها على خواطرهم بالدجاج والبيبي والوز...

ليست هناك تعليقات: