2007-10-03

من أجل سواد عيوننا

دعونا نكون عادلين ومنصفين في حق الاتحاد الاشتراكي. فقد قرر قادته التاريخيون أن يشاركوا في حكومة عباس فقط حرصا على مصلحة البلاد. يعني أن اليازغي بعد كل هذا المسار الطويل من التضحيات لا زال مستعدا لبذل المزيد من التضحيات من أجلنا. وكأن التضحية من أجل البلاد لا تكون إلا بالحصول على حقائب وزارية وليس بالوقوف في صف المعارضة. والغريب في الأمر هو أن اليازغي وصل سن الرابعة والسبعين ومازال قادرا على الحديث عن المستقبل أحسن من أي شاب في الثلاثين.

دعونا نعبر عن امتناننا وعرفاننا لروح التضحية العالية هذه التي أظهرها اليازغي هذه الأيام. فقد برهن لنا عن قدرة خارقة على الإيثار، بحيث تكرم وقبل أن يشارك في الحكومة فقط من أجل سواد عيون الشعب، رغم أنه فشل في الحصول على ثقة هذا الشعب نفسه خلال الانتخابات. لكن لا يهم، ما وقع للاتحاد الاشتراكي كما شرحه اليازغي في المجلس الوطني للحزب ليس نكبة وإنما كبوة. والمغاربة لم يعاقبوا الاتحاد الاشتراكي وإنما عاتبوه فقط. ومن أجل كل ذلك، ورغما عن أنف الشعب الذي أسقط اليازغي ورفاقه في الانتخابات، سيكلف هؤلاء الساقطون أنفسهم وسيقبلون المشاركة في الحكومة، غصبا عن الذين أسقطوهم في الانتخابات. فهؤلاء الذين صوتوا ضد الاتحاد الاشتراكي مجرد عوام لا يعرفون أين توجد مصلحة الوطن، لذلك فإن اليازغي عندما شاهد نتائج مرشحيه المخجلة نظر بحنان إلى الشعب وقال في نفسه مبتهلا إلى الوطن لكي يسامح هؤلاء البسطاء، فإنهم لا يعلمون.

لذلك يجب أن نشكر الله الذي وهب لنا الاتحاد الاشتراكي في هذه البلاد ورزقنا بقائد همام كاليازغي لا يمل من تقديم التضحيات من أجلنا ومن أجل مستقبلنا. ولو أنه يخلط أحيانا بين مستقبلنا ومستقبل أبنائه، خصوصا عندما يرشح بعضهم لكي يرثوا الحزب من بعده. فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والآن بعد أن قمنا بواجب الشكر على قبول الاتحاد الاشتراكي دخول الحكومة من أجل مستقبلنا وحرصا على مصلحة البلاد، دعونا نذكر اليازغي، الذي يطالب اليوم بوزارات مهمة تراعي حجمه السياسي، بشعار المنهجية الديمقراطية الذي ظلوا يصرخون به طيلة الأيام الأخيرة.

لقد تم احترام المنهجية الديمقراطية وتم اختيار الوزير الأول من صفوف الحزب الذي أحرز على أعلى نسبة من المقاعد. وإذا تم احترام المنهجية الديمقراطية فإن نصيب الاتحاد الاشتراكي من المقاعد لن يتجاوز مقعدين أو ثلاثة، بحكم أن الحزب جاء في المرتبة الخامسة في الانتخابات.
أم أن اليازغي يريد تطبيق المنهجية الديمقراطية في اختيار الوزير الأول فقط وليس في اختيار الوزراء. إذا كنا ندافع عن المنهجية الديمقراطية فيجب أن ندافع عنها حتى النهاية، وأن لا يكون دفاعنا فقط عندما تكون في صالحنا وإنما أيضا حتى عندما تكون ضد مصالحنا. هكذا نستحق لقب ديمقراطيين وليس لقب حربائيين تتغير ألواننا بتغير الظروف المحيطة بنا.

في الديمقراطيات التي تحترم نفسها يستحيل أن تعثر على وزراء وزعماء حزبيين سقطوا في الانتخابات التشريعية ومع ذلك يطمعون في الفوز بمقعد في الحكومة، وهم مستعدون في سبيل ذلك لكل شيء. وما وقع لعباس الفاسي في اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب قبل يومين خير مثال على ذلك. فقد كشكش عليه محمد الخليفة، وزير الصناعة التقليدية السابق والمكردع الحالي في الانتخابات، عندما سمع أن عباس يريد إقصاء كل مرشحي الحزب الذين سقطوا في الانتخابات من دخول حكومته. فاستعان محمد الخليفة بالتاريخ وعاد إلى سنة 1977 ليذكر عباس بالسقطة التي نالها في الانتخابات التشريعية والتي لم تمنعه مع ذلك من دخول الحكومة. فالخليفة يريد أن يسمع عباس يبشره ويقول له «الخليفة فالوزارة» وليس «الخليفة عالله فالوزارة»، ولذلك يستعين بالسوابق الانتخابية لكي يبرر طمعه في حقيبته الوزارية وتشبثه بحقه فيها.

ولكي تعرفوا أن كل الذين يطمعون اليوم في دخول الحكومة إنما يصنعون ذلك حرصا على مصلحة البلاد يكفي أن تعرفوا أن عدد الطلبات فوق مكتب عباس وصل إلى خمسمائة طلب للمشاركة في الحكومة. وكلهم قدموا ترشيحهم حرصا على مصلحة البلاد فقط لا غير. فهم ليسوا طامعين في راتب سبعة ملايين السمين الذي يضمن لك بعد خروجك من الحكومة مرتبا شهريا قدره ثلاثة ملايين سنتيم كتقاعد. وهم ليسوا طامعين في السكن الوظيفي وأسطول سيارات العمل، والخدم والسائقين. وهم ليسوا طامعين في الامتيازات الكثيرة التي يخولها لهم منصب وزير في بلد كالمغرب أصبحت فيه الرشوة والفساد الإداري واستغلال النفوذ وغياب القانون أشياء عادية تماما.

فكل هم هؤلاء الخمسمائة من المرشحين الأساسي والكبير هو مصلحتنا ومستقبلنا. مستقبلنا الذي بدأت تلوح معالمه الداكنة في الأفق. وكأن هؤلاء المرشحين الذين وضعت أحزابهم طلباتهم فوق طاولة عباس الفاسي لا يدركون جسامة المسؤولية التي يتقدمون باسمين كالبلهاء لتحملها. وكأنهم قادمون إلى عرس سيأكلون فيه ويشربون ما طاب لهم طيلة خمس سنوات، ثم بعد ذلك سيجمعون حقائبهم ويعودون من حيث أتوا. ثم يدخل آخرون وتستمر مأدبة اللئام أمام أنظار شعب الأيتام.

على كل هؤلاء الذين ينتظرون تسلم حقائبهم بفرح طفولي أن يتمعنوا قليلا فيما يحدث في أطراف الوطن، هذه الشرارات التي تلمع في عيون الغاضبين الذين يتزايد عددهم يوما عن آخر. تلك النساء اللواتي يخرجن غاضبات في خنيفرة وبنصميم وصفرو وميسور. عليهم أن يستمعوا إلى شعاراتهم الصاخبة التي تتوعد سارقي خبزهم ومائهم. وعليهم أن لا يستهينوا بها كما صنع أسلافهم الذين انفضوا من حول مائدة العرس السابق الذي دام خمس سنوات.

عليهم أن لا يفعلوا ما فعله عامل صفرو الذي عوض أن يستمع إلى مشاكل سكان المدينة عقد ندوة في العمالة وظل يسأل فيها ويجيب على نفسه، مطبقا المثل الشعبي الذي يقول «كايدق ويكول شكون». وعوض أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في ما وقع قال إن القوات الأمنية تعاملت مع الأحداث بشكل حضاري. فسعادة العامل يعتبر ركل امرأة في بطنها وضرب أخرى بجهاز اللاسلكي تصرفا حضاريا راقيا. ويعتبر رمي المواطنين بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع قمة السلوك الحضاري الذي ستحسدنا عليه أكبر الديمقراطيات في العالم.

ويبدو أن السيد علوش لديه تصور غريب للسلوك الحضاري، وربما يعتبر ما قام به هو شخصيا قبل سبعة أشهر مع مواطنة عملا حضاريا عندما صفعها في الشارع العام بصفرو وأغلق باب سيارته الكات كات على طرف ثيابها وجرجرها أمتارا طويلة قبل أن يتوقف لتسقط المواطنة وتأتي سيارة إسعاف لحملها إلى المستعجلات، ثم بعد ذلك حرمانها حتى من حقها في الشهادة الطبية التي تثبت العجز.

لكن يبدو أن العجز الحقيقي هو ذلك الذي يعاني منه عامل صفرو. خصوصا عندما قال أن ما وقع هو مصيبة حلت بنا
ونطلب من الله اللطيف. نعم إن ما وقع مصيبة حلت بنا جميعا، وليست هناك مصيبة في هذه البلاد أكبر من هؤلاء المسؤولين الذين يغرقون الشقف للمدن التي يتولون تسييرها، وعندما يخرج المواطنون للاحتجاج والتعبير عن غضبهم يتعاملون معهم بشكل حضاري جدا، إلى درجة أن روائح هذه الحضارة تصل إلى مشارف المشور السعيد بالرباط.

ليست هناك تعليقات: