2007-10-05

حكومة سيدنا قدر

رغم كل النداءات بوقف مشروع استغلال مياه عين قرية بنصميم، ورغم احتجاجات السكان التي انتهت باعتقال بعضهم وتقديمهم إلى المحاكمة، شرعت الشركة الفرنسية المغربية المختلطة في استكمال مشروع استغلال مياه العين تجاريا.

من حيث المبدأ الشركة لديها كل التراخيص والوثائق القانونية التي تسمح لها باستغلال ماء العين. وحتى وزارة الصحة التي وقعت لها على الموافقة ليس عليها عتاب، لأنها راعت شروط السلامة الصحية في المشروع. الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في تفويت مياه عين استغلها السكان لسنوات في الشرب والري هي وزارة الماء التي يتولى حقيبتها محمد اليازغي. فقد وافقت وزارته على حرمان هؤلاء السكان من مياه العين الوحيدة في المنطقة لصالح شركة رأسمالية تبحث عن الربح. والكارثة ليست هي أن وزارة الماء قبلت بإعطاء موافقتها لشركة رأسمالية لاستغلال مياه العين فقط، ولكن لأن هذا القرار صدر عن وزير يقود حزبا يتبنى أفكارا اشتراكية، ويحمل اسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وهكذا نجد أن زعيم حزب القوات الشعبية يوقع على قرار ضد القوات الشعبية لصالح القوات الرأسمالية.

هذا ليس غريبا على حزب ظل يتبنى الاشتراكية العلمية أيام المعارضة وعندما وصل إلى الحكومة طبق وزيره في المالية لب الفلسفة الرأسمالية وخوصص وباع في المزاد العلني كل مؤسسات الدولة.

يجب أن يعرف سكان بنصميم أن المسؤول عن معاناتهم ليست هي الشركة التي بدأت تستغل مياههم ولا وزارة الصحة التي منحت الشركة ترخيصا لاستغلال المياه، وإنما المسؤول الأول عن معاناتهم اليوم هو محمد اليازغي وزير البيئة وإعداد التراب الوطني والماء. لقد أحيانا الله حتى أصبحنا نرى الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي يقف إلى جانب مصالح الشركات الرأسمالية ضدا على مصالح القوات الشعبية التي حملته إلى الحكومة وأعطته المرتبة الأولى في انتخابات 2002. وفوق هذا كله يتساءل سعادة الأمين العام لماذا عاقبه المغاربة في الانتخابات.

هناك اليوم رجال ونساء متابعون أمام القضاء بتهمة الدفاع عن مائهم في بنصميم. كل ذنبهم أنهم خرجوا لكي يحتجوا على هذا القرار الذي سيمنعهم من مصدر المياه الوحيد في قريتهم. ويجب أن يشعر اليازغي بالخجل لأنه كان السبب وراء اعتقال هؤلاء الأبرياء. كما أن الذين سيشربون مياه هذه العين المعدنية التي ستطرح في الأسواق خلال النصف الثاني من السنة المقبلة، يجب أن يضعوا في اعتبارهم أنهم سيشربون مياها ممزوجة بدموع الأمهات اللواتي اعتقل أبناؤهن، وبعرق الرجال الذين ظلوا يصرخون تحت الشمس دفاعا عن حقهم الطبيعي في الماء.
لكن هيهات أن يشعر اليازغي بالخجل، فهو مشغول هذه الأيام في المشاورات الحكومية وليس لديه الوقت لأي شعور آخر غير الطمع. الطمع في حقيبة وزارية جديدة له وللمقربين منه.

ويبدو أن هذا الطمع ليس حكرا على اليازغي وحده، وإنما على جميع أحزاب الكتلة. مما تسبب لعباس الفاسي في طلوع حاد في السكر قد يعصف بالمشاورات. فأحزاب الكتلة تطالبه بالمزيد من الحقائب وعباس يقول لهم أن سيدنا هاد الشي اللي عطاه. ولكي يطفئ شهية الطمع أخبرهم بأنه التقى مستشار الملك محمد معتصم وأخبره بأن الإخوة في الأحزاب كروشهم كبار ويريدون المزيد من الحقائب. فالطمع الحزبي أعمى الجميع، ولم يعد الصديق يحن في صديقه وتنكر الرفيق للرفيق. والدليل على ذلك أن إدريس لشكر الذي كان بمثابة الحصن الحصين بالنسبة لليازغي شعشع عليه في اجتماع حزبي بالرباط بعد أن أطلع اللجنة المركزية للحزب على تشكيلة الحكومة الأولية والتي لا يوجد فيها أثر لأسماء المكردعين في الانتخابات الأخيرة، وطالبه بحقيبة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان. وطالب والعلو ببقاء الحبيب المالكي في التعليم والأشعري، الذي قام بحملته الانتخابية بسيارات الكات كات وتكردع، في الثقافة، وطالب المالكي والأشعري ببقاء والعلو في المالية.

مشاورات مثل هذه لا بد أن ترفع السكر في دم عباس الفاسي الذي لا يتحرك في سيارته إلا وخناشي الدواء والحلويات بجانبه. والواقع أن عباس الفاسي كان محتاجا لتدخل إدريس جطو لإنقاذه في الوقت المناسب من هذه الحريرة التي بدأت رائحة الحموضية تفوح منها. وهكذا تدخل جطو بخيط أبيض بين الأطراف المتصارعة حول الكعكة الحكومية، والجميع ينتظر أن يعلن عباس عن تشكيل حكومته ليلة سبعة وعشرين، وهكذا سيستحق عباس الفاسي أن تحمل حكومته لقب حكومة سيدنا قدر عن جدارة واستحقاق.
ولعل العياء الذي ظهر على عباس الفاسي خلال إدارته لمشاورات تشكيل الحكومة يكشف عن نقاش مهم يتجنب الجميع طرحهن، وهو الحالة الصحية للوزير الأول.

ولعل جميع وزراء الحكومة يتذكرون اليوم الذي كانوا فيه واقفين لحضور مراسيم استقبال الملك للرئيس الروسي بوتين قبل سنة تقريبا، فانهار عباس الفاسي وسقط أرضا على بعد أمتار قليلة من بوتين على أرضية المطار، وحمله الحرس الخاص بعيدا عن صف الوزراء ووضعوه أرضا تحت المنصة الشرفية وغطوا وجهه عن عدسات الصحافيين بطرف من غطاء المنصة الأخضر. وتحلق حوله الهاروشي والشيخ بيد الله بوصفهما دكتورين لتقديم الإسعافات الأولية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل عباس الفاسي قادر صحيا على تحمل منصب الوزير الأول. إن رؤساء الدول والوزراء الأولين الذين يديرون شؤون الشعوب يعطون إشارات واضحة للرأي العام على المستوى الجيد لصحتهم العامة. ولعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يظهر وهو يركض في الشوارع أكثر مما يظهر جالسا في مكتبه بقصر الإليزي، لا يصنع ذلك عبثا. إنه يريد أن يوجه رسالة للرأي العام مفادها أنه يتمتع بصحة جيدة.

وكلنا نتذكر النقاش السياسي الذي ساد في فرنسا عندما دخل جاك شيراك إلى المصحة للعلاج، كيف طالبت أحزاب المعارضة الرئيس بتقديم استقالته إذا كانت صحته لا تؤهله لتدبير شؤون الفرنسيين.

وفي مقابل الإشارات الإيجابية التي يعطيها الزعماء والقادة في الدول الديمقراطية نرى كيف يعطي بعض زعماء الأحزاب السياسية عندنا إشارات سلبية بخصوص صحتهم. ومع ذلك تسند إليهم مسؤولية قيادة الحكومة.

الوزير الأول منصب حساس جدا، فهو الآمر الأول بالصرف في المملكة، وحتى ميزانية القصر الملكي إذا لم يوقع عليها الوزير الأول فإن الملك لا يستطيع أن يأخذ فلسا واحدا من الخزينة. ولذلك فقد كان الأجدر أن تسند هذه المسؤولية لوزير شاب مزال فيه مايحفي السباط، وليس إلى رجل يداعب السبعين، كان أحسن له لو أخذ تقاعده السياسي وذهب ليكتب مذكراته مثلما يصنع اليوم عبد الرحمن اليوسفي في مدينة كان الفرنسية.

على ذكر اليوسفي، فقد استغرب البعض من أنه لم يقدم التهاني لعباس بمناسبة تعيينه وزيرا أول وإنما تجاهله وقدمها لمحمد بوستة. فقد وصل إلى علم اليوسفي أن أنصار عباس داخل الحزب ظلوا يروجون طيلة المفاوضات التي سبقت اختيار الوزير الأول، أنهم يريدون وزيرا أول يكون قبره بينهم. في إشارة إلى أنهم لا يريدون وزيرا أول يفضل بعد نهاية ولايته ترك المغرب وقضاء بقية حياته خارجه تطبيقا للمثل الشعبي الذي يقول «اللهم قبر غريب ولا المغريب».
وشوفو السم...

ليست هناك تعليقات: