2007-10-23

دوي علينا وجي علينا

دعونا نقوم اليوم بمراجعة تطورات بعض الأخبار التي تعرضت لها في هذا العمود خلال الأيام القليلة الماضية. فيبدو أن هناك مستجدات في بعضها، خصوصا بعدما قررت ولاية الأمن في الدار البيضاء إعادة فتح التحقيق في اعتداء حاخام مغربي يهودي على شرطي أمام المدرسة اليهودية بالقرب من شارع مولاي يوسف خلال العشر الأواخر من رمضان.

والجديد هو أن الشرطي المسكين عوض أن يردوا إليه اعتباره وكرامته، جعلوه يتلقى بمناسبة عيد الفطر السعيد عقوبة تأديبية ستظل في ملفه الإداري إلى الأبد وستعوق بلا شك ترقيته المنتظرة.

وقد كان رؤساء الشرطي يعتقدون أن فضيحة إهانة هذا الأخير وتمزيق بذلته فوق ظهره من طرف الحاخام إسحاق، ستمر بسلام وبدون فضائح في وسائل الإعلام، إلا أنهم صدموا عندما قرؤوا الخبر في عمود «مواطنون لاروب»، واتهموا الشرطي المسكين بأنه هو من سرب الخبر إلى الصحافة (نقول الصحافة تجاوزا، لأن المساء هي الوحيدة التي كتبت حول هذا الموضوع)، وقرروا معاقبته على توقيعه للتنازل عن حقه في متابعة الحاخام دون علم الإدارة العامة للأمن الوطني، بعد أن فعلت هذه الإدارة المستحيل لإجباره على توقيع التنازل.

وهكذا انتهى هذا الشرطي المغلوب على أمره مهانا مرتين، مرة من طرف الحاخام اليهودي ومرة من طرف إدارته. والذي يسمع الإدارة تتحدث عن خرق الشرطي لقوانين التراتب المهني وتوقيعه للتنازل دون إذن روسائه، يستغرب لهذه النفس الحارة التي نزلت فجأة على إدارة الأمن عندنا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بحدة هو أين كانت هذه النفس الحارة عندما صدرت أوامر من أعلى عليين تقضي بتقديم الحاخام وابنه أمام النيابة العامة قبل انقضاء 48 ساعة مثلهم مثل جميع المغاربة. أم أن هناك من قبض الثمن ومسحها في البوليسي والآن جاء ليعطي الدروس لرجال الأمن المغلوبين على أمرهم في الهيبة والكرامة المفترى عليها.

وحتى يرتاح رؤساء هذا الشرطي تعيس الحظ الذي تبهدل على جوج جيهات، أريد فقط أن أخبرهم بأنه لم يتصل بي لكي أكتب عنه، ولم يشك لي الظلم الذي تعرض له. وأنا أشعر هنا بوخز حاد في الضمير بسبب ما تعرض له من عقوبات من طرف إدارته. فقد كتبت عنه وفي نيتي أن إدارته ستتدخل لصالحه من أجل إنصافه وإعادة الاعتبار إليه، خصوصا وأن الاعتداء الذي تعرض له كان أمام الملأ، لكن الذي وقع هو العكس تماما. فيبدو أن عقوبة كل رجل أمن سيعترض في المستقبل على لكمات وشتائم الحاخام إسحاق وابنه ستكون هي الحرمان من الترقية.

ويبدو أن الحاجة أصبحت ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تصدر وزارة الداخلية لائحة بأسماء الشخصيات التي لا يسري عليها قانون المملكة المغربية، حتى يتعرف رجال الأمن والدرك على هذه الشخصيات بمجرد رؤية كماراتهم ويتجنبوا الوقوع في حرج هم في غنى عنه. هكذا سنتجنب سماع أخبار مثل خبر دهس ابنة وزير سابق لشرطية مرور، وصرفقة الابنة المدللة لفلان لشرطي في قلب العاصمة، وشخشخة ابن وزير العدل السابق لعشرة سيارات دفعة واحدة في أكدال ساعة الفجر، وقتل ابن العنصر لمواطنين بسيارته في حالة سكر. نريد أن نحصل على لائحة بأسماء هؤلاء المواطنين فوق العادة، حتى نوفر على قرائنا وعليكم ذكر أخبارهم بين فضيحة وأخرى. فهؤلاء المواطنون فوق العادة يدخلون في عداد الذين رفع عنهم القلم.

ولعل إحدى النتائج المباشرة لسياسة سلخ رجال الشرطة أمام الملأ من طرف بعض هؤلاء المواطنين فوق العادة، هو تفشي هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في الأيام الأخيرة. بحيث أصبح البوليسي صيدا سهلا لبعض المنحرفين والحاسين برؤوسهم. فيومان بعد اعتداء مواطنة مغربية تحمل الجنسية البلجيكية بمساعدة أخيها على شرطي أمام قنصلية بلجيكا، بالعض والرفس، نسمع عن تعرض مقدم الشرطة (غ. عبد الكبير) الذي كان يعمل بأحد أبواب ولاية الأمن بشارع الزرقطوني للقجان والقميش من طرف إحدى السيدات. فبسبب مطالبة الشرطي للسيدة بمغادرة ولاية الأمن مادام أنه لا مصلحة شخصية لها لقضائها بالولاية، ثارت ثائرتها وبدأت تسرد أمام الشرطي لائحة بمعارفها من الجهاز الأمني. أكثر من هذا أنها تناولت هاتفها النقال واستنجدت بأخيها صعصع الذي جاء على متن سيارته الفياط سيينا، وعلى طريقة أبطال المسلسلات صعد فوق رصيف ولاية الأمن محاولا اقتحام باب الولاية.

وطبعا ألقي القبض على السيدة وأخيها في الحال، وبعد التأكد من أنهما لا ينتميان إلى المغاربة اليهود تم وضعهما تحت الحراسة النظرية، ثمان وأربعين ساعة كاملة كما ينص على ذلك القانون هذه المرة.

في اليوم نفسه قام شخص خطير في حالة سكر متقدمة من قاطنة حي لهجاجمة رفقة إخوته بالدخول لمخفر الشرطة الكائن بنفس الحي والاعتداء على الشرطي العامل هناك، بحيث خلاو دار بوه مزيان وهربو. ولعل الطريف في الأمر والذي خلف استغراب سكان الحي هو أن عنصري العسكر، أي اللواء الخفيف أو «البلير» الذي جلبتهم الإدارة العامة للأمن لمساعدة رجال الشرطة، ظلا يتفرجان على مشهد السليخ الذي تعرض لها الشرطي دون أن يهبا لمساعدته.

وعلى ذكر جهاز «البلير» وعساكره الثلاثة آلاف الذين ضخهم الجنرال حسني بنسليمان في جهاز الأمن بالدار البيضاء، لا بد أنكم لا زلتم تتذكرون عمود «حاميها حراميها» الذي تطرقت فيه لذلك اللص الذي سرق في الأسبوع الأخير من رمضان ثلاثمائة مائة درهم من حقيبة إحدى السيدات في التوين سانتر، وعندما ألقي عليه القبض اكتشفوا أنه ليس سوى عسكري في جهاز «البلير» الذي تم خلقه أساسا لمكافحة السرقة.

ولمعلوماتكم فهذا العسكري تعرض للطرد من صفوف الجيش مباشرة بعد اعتقاله بتهمة السرقة. وربما سيبدو لكم الأمر منطقيا، عسكري ارتكب مخالفة فطبقت عليه إدارته القانون. لكنكم عندما ستعرفون أن إدارة هذا العسكري لم تصرف له راتبه الهزيل الذي لا يتعدى 1500 درهم طيلة ستة أشهر الأخيرة، فربما ستغيرون رأيكم فيه.
إن إدارة تعرقل رواتب مستخدميها لمدة ستة أشهر هي التي يجب أن تتابع قانونيا بتهمة تحريض مستخدميها على السرقة، وتهديد حياة المدنيين.

ولهذا السبب فإن قرار فصل هذا العسكري من الخدمة العسكرية جعل كثيرين من العسكريين من مختلف الرتب العاملين بجهاز «البلير» يحسدونه على هذه العقوبة. لأن العقوبة الحقيقية هي الوضعية البئيسة التي يعيشونها في الدار البيضاء بعيدا عن أبنائهم وأسرهم. خصوصا بعد حرمانهم من حقهم في العطلة. ويتساءل كثيرون منهم بحسرة عندما يتذكرون أطفالهم :
- واش ولاد المغاربة بشار وحنا ولادنا قرودا...

سؤال مؤلم موجه إلى الجنرال حسني بنسليمان. ربما يكون لديه جواب مناسب عنه.

هاجس الكثير من أفراد هذا الجهاز ليس الطرد، فهذا أجمل ما يتمناه بعضهم، فالهاجس الحقيقي هو عدم قبول طلبات استقالتهم من طرف رؤسائهم. فأغلبهم يعثر على عقود عمل مدنية برواتب أحسن بكثير من ذلك الراتب المخجل الذي يصرف لهم الجيش والذي يدفع ببعضهم إلى الخروج لقطع الطريق على المواطنين من أجل سرقتهم.

بقي أن أخبركم بأن العسكريين اللذين اعتقلا في بويزاكارن وكلميم خلال رمضان بعد أن ضبط الدرك قرابة 11 كيلو من الحشيش في بيت أحدهما، قد حكما بثلاث سنوات سجنا. فيما نزلت على الكولونيل مصطفى النافيعي الذي يشتغلان تحت إمرته عقوبة تأديبية مخففة. أما الجنرال محتان قائد القطاع العسكري بواد درعة، والذي يعمل جميع هؤلاء تحت إمرته، فلم يتوصل ولو بتوبيخ بسيط.

ومن نوادر الجنرال محتان، الذي كان وراء فرض تعيين قريبه محمد محتان كاتبا للدولة في التنمية القروية في الحكومة السابقة، إجباره الجنود عندما كان في الحامية الثامنة على جمع الخبز الكارم من كل الثكنات وبيعه من أجل قتناء البالات والفيسان التي يستعملها الجنود في الحفر. وكأن ميزانية الجيش بالمنطقة الجنوبية ليس فيها شطر مالي مخصص لهذا النوع من المقتنيات.
نتمنى أن لا يقوم سعادة الجنرال بحملة لاستنطاق جنوده ومعاقبتهم بالطرد بتهمة تسريب أخباره للصحافة. ولو أن بعضهم يتمنى فعلا أن يوقع الجنرال بنسليمان قرار طرده اليوم قبل الغد

ليست هناك تعليقات: