2007-10-04

وزراء الهشاشة

هل يمكن أن يحدث في دولة أن يستدعي وزير الداخلية هيئات مدنية لكي يبلغها بأنها غير قانونية وسرية. نعم فقد حدث ذلك في المغرب عندما استدعى شكيب بنموسى ممثلي تنسيقيات مناهضة الغلاء وأخبرهم بأن وجودهم غير قانوني.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف يعقل أن يطلب وزير الداخلية لقاء رسميا مع ممثلين عن جمعيات وهمية وسرية في مقر وزارته. هل هناك وزير داخلية في العالم يقبل أن يجلس إلى ممثلين وهميين لجمعيات سرية. فالمفروض قانونيا عوض أن يبعث إليهم استدعاء لمقابلتهم أن يبعث إليهم أمرا بالاعتقال، ماداموا قد خرقوا القانون واقترفوا ما يستوجب اعتقالهم والتحقيق معهم بتهمة الانتماء إلى منظمة سرية تحرض على الشغب.


وزير الداخلية شكيب بنموسى يوجد اليوم في موقف لا يحسد عليه، لذلك فقد طلب من ممثلي الجمعيات السرية كما سماها توقيف الحركات الاحتجاجية التي يدعون إليها لأنها غير قانونية. والسيد بنموسى يتجاهل أن الشيء الوحيد غير القانوني في كل هذه الحكاية هو الزيادة الصاروخية في الأسعار وليس الوقفات الاحتجاجية. لأن الاحتجاج ليس غاية في حد ذاته وإنما نتيجة للغلاء. وكأن السي بنموسى يتصور أن المغاربة يريدون فقط تسلية أنفسهم خلال رمضان بقتل الوقت بالاحتجاج في الشوارع ورشق المؤسسات العمومية بالحجارة بانتظار مدفع الإفطار. زعما غير خارجين كايجيبو الفطور والسلام.


كان ممثلو تنسيقيات مناهضة الغلاء ينتظرون من وزير الداخلية أن يفتح معهم ملفات المواطنين الذين تم اعتقالهم عشوائيا في صفرو وبنصميم وخنيفرة، حتى أن هناك مواطنين أبرياء ألقي عليهم القبض لمجرد أنهم هربوا من منازلهم في صفرو بسبب الغازات المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات الأمن بشكل «حضاري» جدا على المتظاهرين حسب السي علوش عامل المدينة، لكن ممثلي التنسيقيات تفاجأوا بكون السيد وزير الداخلية وضع كل هذه الملفات جانبا وتقمص دور الضحية وبدأ يهددهم ويطالبهم بالوقف الفوري لكل أشكال الاحتجاج إلى حين الحصول على رخصة من سعادته.


وكأن وزير الداخلية لا يعرف أن الغضب ليس بحاجة إلى رخصة من أي أحد، وأن الاحتجاج حق من حقوق الإنسان، والمواطن الذي لا يحتج عندما يستهدف المضاربون الجشعون والمسؤولون المتواطئون خبزه وماءه لا يستحق أن يسمى مواطنا.

ربما يريد وزير الداخلية أن يسمع المغاربة كلهم يتحدثون في نشرة أخبار التلفزيون الرسمي مثلما تحدثت رئيسة إحدى جمعيات الكوكوت مينوت في صفرو بعد الانتفاضة التي عرفتها وقالت بأن العام زين والناس مخاصهوم حتى خير، وأن الذين يقفون وراء ما وقع ليسوا من سكان المدينة وإنما غرباء جاؤوا إليها ليزعجوا هدوءها وأمنها. فيبدو أن هذا هو النوع الوحيد من رؤساء الجمعيات التي تريد وزارة الداخلية أن «ينشطوا» في المدن.

وإذا كان بنموسى قد استعمل أسلوب الوعد والوعيد مع ممثلي تنسيقيات مناهضة الغلاء، فإنه استعمل لغة القانون مع ممثلي نقابات الشغل الثلاث الذين استقبلهم كذلك، وقال لهم بأن الحريات مضمونة لكن القانون سيطبق بلا هوادة. يعني اللي هضر يرعف. جميل أن يتحدث وزير الداخلية عن الصرامة في تطبيق القانون. لكن الأجمل منه سيكون هو تطبيق القانون على الجميع وليس فقط على المواطنين البسطاء الذين يحتجون دفاعا عن خبزهم ومائهم. عليه أن يطبق القانون على الكبار أيضا، أولئك الذين يستغلون رخص الريع التي منحت لهم ولأبنائهم لاستغلال مارشيات الخضر والفواكه والأسماك. أولئك الذين يشتغلون ساعتين كل صباح ويربحون الملايين على ظهور الفلاحين البسطاء والمستهلكين ذوي الدخل المحدود الذين يكدون طيلة الشهر. ولا هادوك ماتقدروش عليهم، حادكين غير فالدراوش مساكن.


لكن بنموسى يكشف لنا عن سر خطير جدا عندما أخبر النقابات بأن وزارته اكتشفت أن الأحداث التي عرفتها مدينة صفرو تنبئ بوجود نوايا لاستغلال الزيادات الأخيرة لأغراض أخرى. وكأنه يريد أن يقول لنا بما أن هناك وجود لهذه النوايا المبيتة فإن الداخلية ستكون صارمة في اعتقال كل من يحتج وتقديمه للجنايات. فهذا سيكون بالنسبة إليهم في الدولة أقل تكلفة من أن يعد بنموسى بحل أسباب الانتفاضة التي عرفتها صفرو.


لقد أظهر وزير الداخلية للجميع بأنه لا يملك تصورا عقلانيا لحل هذه الأزمة الاجتماعية التي تلوح في الأفق عدا الزرواطة والقمع والمحاكمات. وهذا طبعا هو الحل السهل الذي تلجأ إليه كل الدول المتخلفة.


وبهذه الطريقة حلت الدولة المغربية مشاكلها الاجتماعية طيلة ثلاثين سنة، ويبدو أنها غير مستعدة لتغيير عاداتها في القريب العاجل.

ومن الأعذار المضحكة التي قدمها بنموسى لممثلي التنسيقيات والنقابات هو أن يأخذوا بعين الاعتبار أن المغرب يعيش فراغا حكوميا هذه الأيام ولذلك يجب توقيف كل الحركات الاحتجاجية. زعما المغرب كان مطفرو ملي كانت الحكومة. فالشعب يعرف أن الحكومة سواء كانت أو لم تكن فإن البلاد ستسير كما هو مرسوم لها. ألم يقل عباس الفاسي عندما خرج من القصر حاملا معه كهدية لعيد ميلاده السابع والستين كرسي الوزارة الأولى، أن برنامجه الحكومي لن يكون شيئا آخر غير ما قاله الملك في خطاب العرش الأخير. وملي البرنامج الحكومي حاطو الملك الحكومة لاش ؟

والحقيقة أننا نبالغ في إعطاء الأهمية لبعض المسؤولين بتسليط الأضواء عليهم عندما نراهم عاجزين عن حل المشاكل التي تم تعيينهم من أجلها. لأن هناك وزراء الله غالب، فمثلا كيف سيحل عباس الفاسي مشاكل ثلاثين مليون مغربي وهو اليوم عاجز عن تشكيل حكومة من ثلاثين وزيرا. وشخصيا أعتقد أن الرقم ثلاثين ليس هو رقم السعد بالنسبة لعباس الفاسي، فهو يريد حكومة من ثلاثين وزيرا لثلاثين مليون مغربي، وسبق له أن تسبب في فضيحة النجاة التي شردت ثلاثين ألف شاب.


واليوم يجد عباس نفسه غارقا وسط الحقائب الوزارية لا يعرف ماذا يؤخر ولا ماذا يقدم. عبد الواحد الراضي يريد منه وزارة الفلاحة حتى يصبح اسمه عبد الواحد الأراضي، نسبة إلى كل الأراضي الفلاحية التي يملكها في سيدي يحيى. ووزير الفلاحة السابق محمد العنصر يريد منه رئاسة البرلمان. واليازغي يشترط ألا تعطى لحزبه حقائب بالنظر إلى ما حققه من نتائج محبطة في الانتخابات ولكن بالنظر إلى وزنه. والحقيقة أن عباس يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة الوزن هذه، فإدريس لشكر واليازغي والأشعري والراضي لديهم أوزان من العيار الثقيل، وقد زادت هذه الأوزان خلال فترة الراحة البيولوجية التي قضوها في العمل الحكومي والبرلماني بشكل لا يخفى على العين.


ولعل إحدى مفارقات الحياة السياسية في المغرب هي هذه بالضبط، السياسيون يزداد وزنهم عندما يدخلون إلى الحكومة والبرلمان ويطالبون بالمزيد، والشعب يزداد نحولا وضمورا وتذمرا، وعندما يطالب بالمزيد يأتي وزير الداخلية ويتهم أطرافا خفية بتحريكه. ليكن قلبك مرتاحا يا سيد شكيب، ليس هناك أطراف خفية تحرك المواطنين لكي يحتجوا في الشوارع. ما يحركهم واضح كوضوح الشمس، إنه الظلم
الاجتماعي والحكرة والقمع والتهميش. أو ما تسمونه أنتم «الهشاشة».


الحاصول لقيتو الهش فالمغاربة، داك الشي علاش درتو فيهم مابغيتو.
تعليقك على الموضوع

ليست هناك تعليقات: