2007-10-21

عباس والبيضة فالطاس

أخيرا تدخل القصر لكي يحسم في تشكيلة حكومة عباس. فقد اقتنعوا في السدة العالية أنهم إذا عولوا على عباس الفاسي لكي يشكل لهم الحكومة بمفرده فإنهم سيذبحون خروف العيد الكبير وسيوزعون الشريحة والحقائب الحكومة لم توزع بعد. لذلك فقد استغرب قادة الأحزاب أنفسهم كيف أن أسماء لم يقترحوها في لائحة الحكومة حصلت على حقائب وزارية، فيما بعض الأسماء التي دفعوا لها السيفيات ديالها إلى القصر باكرا لم تحظ بالقبول. واكتشف بعضهم متأخرا بأن الراغبين في دخول الحكومة أصبحوا لا يضعون سيرهم الذاتية في مقرات أحزابهم وإنما يسلمونها مباشرة لمستشاري الملك. فأصبح حالهم مثل حال أولئك العاطلين الذين يتعرضون للملك برسائلهم في الطرقات لطلب الشغل.

والحقيقة أن القصر وجد نفسه أمام لائحة حكومية جاء بها عباس يختلط فيها قادة الأحزاب مع أبنائهم وأصهارهم وذوي ريحة الشحمة فالشاقور، فأعاد القصر اللائحة مصححة ومعدلة وراثيا لعباس الفاسي لكي يعرضها على أصدقائه في الكتلة والأحزاب الأخرى، ناصحين إياه أن يقنعهم بأن أقصى ما يمكن أن يفعلوه لصالحه هو إضافة «باليزة باليزة للمومن» ونبينا عليه السلام.
وعندما كان عباس جالسا ماعليه مابيه في مسجد القرويين بفاس جاءه تلفون من المستشار الملكي مزيان بلفقيه الذي دخل على خط المفاوضات بعد أن غلب محمد معتصم على أمره، وقرأ عليه لائحة الوزراء في التلفون، فارتبك عباس قليلا لكن احتجاجه الوحيد كان على إضافة حقيبة وزارية للأحزاب جميعها ما عدا حزب الاستقلال، زعما علاش هوما وحنا لا. وختم عباس مكالمته بأن وجد للحكومة الجديدة مزية واحدة على الأقل وهي أنهم كثروا فيها النساء.

بعد هذه المكالمة الساخنة تلف الحساب لعباس ولم يعد يدري هل يصلي جمعا أم «قصرا»، فعاد إلى الرباط واجتمع باللجنة التنفيذية لحزبه وأخبرهم أن اللائحة نزلت عليه كالوحي وأنه أصبح كالميت الذي ليس لديه ما يقوله أمام غساله. وطلب منهم أن لا يسألوه من أين جاءته اللائحة. ولا بد أن عبد الله البقالي عضو اللجنة التنفيذية للحزب ونائب الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة، والأمين العام لشبيبة الحزب، قد نشف فمه وهو يسمع اسم نوال المتوكل على رأس وزارة الشبيبة والرياضة. فقد كان البقالي يطمع في هذا المنصب ويرى نفسه الأحق به نظرا لتجربته الطويلة على رأس شبيبة الحزب، فالبقالي داير راسو وسط ريوس الشباب رغم أن الشيب غزا كل مكان في رأسه ولحيته. لكن يبدو أن القصر لا يريد إسناد منصب وزاري لمرشح لا يجيد اللغة الفرنسية. خصوصا وأن الاجتماعات الحكومية مكاين غير الفرانسوية. وهي رسالة لكل الذين يرسلون سيرهم الذاتية ويرشحون أنفسهم للوزارة، اللي بغا الوزارة يزيد شوية السوايع ويدير محو الأمية فالفرانسوية.
أما المنصوري زعيم الأحرار فبمجرد ما تلقى هاتف مزيان بلقيه الذي يزف إليه خبر تعيينه رئيسا للبرلمان خلفا للراضي، حتى ناض من مسجد القرويين وجمع قلوعه وسمح في الصلاة وركب سيارته وعاد إلى الرباط وأغلق هاتفه وضرب الطم.

وخلال هذا الوقت فإن زميله العنصر تصمك تصميكة واحدة، وقرر أن يكمدها ويسكت، خصوصا وأن اللائحة أسندت إليه حقيبة على شكل سلة مليئة بالعقارب السامة. فأنت لا تعطي حقيبة وزارة الشغل في بلد كل مشاكله مصدرها قلة الشغل إلا للذي عينك فيه نيت.

والقصر يعرف أن العنصر متخصص فقط في التهديد، لكن عندما يأتي وقت التنفيذ يتراجع إلى الخلف. فقد سبق له أن هدد بمقاطعة الانتخابات عندما تمت متابعة البحراوي عمدة الرباط المنتمي إلى حزبه، ولم ينفذ تهديده. وسبق له أن هدد بنسف الأغلبية إذا لم تسند إليه رئاسة البرلمان، وها نحن نرى أن البرلمان أسندت رئاسته للمنصوري ولم ينفذ العنصر تهديده بالنسف. ولا بد أن العنصر يجهل أن التهديد تهمة يعاقب عليها القانون، والعقاب الذي تقرر في حقه هو إسناد حقيبة الشغل إليه.

وإذا كان مزيان بلفقيه قد وجد عند العنصر آذانا صاغية فإنه لم يكن يتصور أن أحرضان سيستفيق من غيبوبته السياسية لكي ينادي بدخول الحركة الشعبية في صف المعارضة. ورغم تذكيره بسيناريو 1984 الذي دبره له البصري وشتت له بموجبه أركان الحزب، فإن هذا التذكير لم يكن كافيا لكي يبتلع «الزايغ» لسانه. فالزايغ دار يديه ورجليه لكي يضمن لابنه يوسف أحرضان وزارة الطاقة، ليكتشف كيف أن أمينة بنخضرا التي نزلت بالباراشيت على حزب الأحرار، سبقته وطارت على الكرسي.

أما الغاضب الأكبر من هذه الوزيعة الحكومية فهو حزب الاتحاد الاشتراكي. خصوصا بعد حصول كاتبه العام محمد اليازغي على أكبر إهانة في حياته وهي وزارة دولة بدون حقيبة. فقد كان الاتحاديون يسخرون من عباس الفاسي الذي كان يحمل حقيبة فارغة، فأحياهم الله حتى رأوا كاتبهم العام يحمل واحدة مثلها. وبعض الشامتين في صفوف الغاضبين وسط حزب الاتحاد الاشتراكي أطلقوا على حقيبة اليازغي اسم الصاكاضو. ولذلك فإن الغضب الاتحادي على لائحة عباس وصل ليلة الخميس إلى أقصى درجاته، وتقرر في شبه إجماع قبول الحقائب والصاكاضو ورفض الأسماء التي تقترحها اللائحة وإعادتها إلى عباس والتلويح بالعودة إلى المعارضة. وحتى على مستوى الإعلام الحزبي هناك اتجاه نحو توقيف جريدة الاتحاد الاشتراكي وتعويضها بجريدة المحرر التي سبق للنظام أن منعها أيام المعارضة. زعما على سبيل تسخين الطرح.

وإذا كان أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي قد رفضوا لائحة عباس بسبب منح أسماء بعينها حقائب وزارية، فإن اليازغي لديه سبب شخصي لرفض عرض عباس، وهو تضمن الحكومة المقترحة لاسم محمد الكحص ككاتب للدولة في الخارجية. وقد صدم اليازغي عندما اكتشف أن عدوه اللدود الذي لم يقترحه في لائحة وزرائه سيقاسمه المجالس الحكومية المقبلة. والحقيقة أن اليازغي لم يعد يعرف ماذا يصنع لكي يتخلص من الكحص، فقد منعه من انتقاده داخل الحزب، ومنعه من انتقاده في التلفزيون. ومع ذلك هاهو يخرج لليازغي من الجنب ويضمن كرسيه في حكومة تقترح على هذا الأخير حقيبة فارغة. غير إلى مابغاش يحماق وصافي.

ومن الأسماء التي راجت في الكواليس مساء يوم الخميس، اسم ثريا جبران كوزيرة للثقافة عن الاتحاد الاشتراكي. رغم أن ثريا جبران (واسمها الحقيقي هو السعدية قريطيف)، قالت في آخر حوار لها مع إحدى المجلات أنها لم تعد تنتمي إلى الاتحاد الاشتراكي. وقد شاهدها الجميع في حملة نبيل بنعبد الله، وسابقا في حملة محمد الأشعري. هم جميعهم تكردعو في الوصول إلى البرلمان، فيما هي قد تتجاوزهم وتصل إلى الحكومة.

أما نبيل بنعبد الله، فقد سل شوكته بلا دم، وقال أنه لم يعد يفكر في الوزارة، ربما لأنه تلقى وعدا بتنصيبه على رأس وكالة ملحقة بالوزارة الأولى مهمتها تسويق الإنجازات الحكومية وإقناع الرأي العام بجدواها.

الرجل فشل في أن يقنع بضعة آلاف من المواطنين في تمارة ببرنامج حزبه السياسي في الانتخابات، وتنتظر منه الوزارة الأولى أن يقنع ثلاثين مليون مواطن ببرنامج الحكومة السياسي.
وكولو باز.

ليست هناك تعليقات: