2007-10-15

مواطنون اللاروب

قبل أسبوع وقعت حادثة اعتداء بشارع مولاي يوسف بالدار البيضاء بالقرب من المدرسة اليهودية. وعندما نسمع حادثة اعتداء يذهب ذهننا مباشرة إلى اعتداء لص أو منحرف على مواطن، لكن ما وقع عصر ذلك اليوم عكس هذه الآية. فالذي تعرض لاعتداء هو رجل أمن كان يحرس المنطقة على يد حاخام يهودي مغربي يدعى إسحاق. والحكاية بدأت عندما طلب الشرطي من ابن الحاخام التوقف عن العبث بالحواجز الأمنية المنتشرة بالمنطقة، فما كان من الطفل إلا ركل الشرطي وهرب نحو والده، الذي لم يترك مجالا للشرطي لكي يشرح له ما وقع، فانهال عليه بالشتم والسب، وشنق عليه أمام الناس ومزق قميصه. وعندما رأى المواطنون الذين كانوا مارين بالمنطقة منظر الشرطي (ض.ي) وهو يحاول مستسلما أن يتجنب لطمات الحاخام استنكروا الأمر وحاول بعضهم التدخل لثني الحاخام عن غيه مرددين «اللهم إن هذا منكر». وهنا أصبح الشرطي المسكين يقوم بمهمتين، مهمة حماية وجهه وسلاحه وتحمل ضصارة الحاخام ومهمة حماية الحاخام من غضب المواطنين الذين كان بعضهم يريد الاعتداء عليه. فالشرطي يعرف أن الحاخام إذا تعرض لمكروه فإنه هو الذي ستمشي على عينيه ضبابة، لأنه هو المكلف بحماية المدرسة اليهودية ومرتاديها.

المهم أن الشرطي والحاخام انتهيا في ولاية الأمن بعد أن حضرت عناصر الدائرة الأمنية السادسة، وبدا منظر الشرطي حزينا، خصوصا بعد أن ظهرت ضلوع صدره من وراء القميص الممزق، وتطوع عدد من الحاضرين للإدلاء بشهادتهم لوجه الله.
عندما تم تحرير المحضر صدر أمر من النيابة العامة بالإبقاء على الحاخام وابنه رهن الحراسة النظرية، لكن هذه الحراسة النظرية لم تدم سوى ساعات لكي يغادر إسحاق وابنه مقر الأمن بأمر من وكيل الملك. وبدأت تتهاطل على الشرطي المعتدى عليه مكالمات واتصالات كثيرة تطالبه بالتنازل عن حقه في المتابعة.

ماذا نفهم من خلال هذه الحادثة التي حضرها شهود وقدموا حولها شهادتهم للأمن. نفهم أن المغاربة ليسوا سواسية أمام القانون. السيد إسحاق مواطن مغربي يسري عليه القانون المغربي، وإذا أهان رجل أمن أثناء أدائه لوظيفته فالقانون واضح في هذا الباب ويجب أن يطبق عليه كما يطبق على الآخرين. وأمام المحكمة بالدار البيضاء تروج منذ أسابيع قضية المصور الصحافي مراد بورجة مدير وكالة آيس بريس الذي يدعي أحد رجال الشرطة بأن مراد اعتدى عليه أثناء أدائه لمهامه. فلماذا يتم استدعاء مراد للمحاكمة في الوقت الذي تغض فيه العدالة الطرف عن إسحاق، مع أنهما مغربيين.

يبدو أن تهمة إهانة موظف أثناء أدائه لمهمته لا تسري سوى على الصحافيين الذين يريدون أداء مهامهم وعلى معتقلي صفرو الذين يبردون عظامهم في حبس عين قادوس بفاس بانتظار محاكمتهم. أما السيد إسحاق فلديه من يحمي ظهره حتى ولو مزق بذلة شرطي وعرى ظهره أمام المواطنين في الشارع العام.

القيمة الحقيقية للمواطن المغربي في عين مسؤوليه تظهر جليا عندما نقارن بين الحادثة الإجرامية التي ذهبت ضحيتها مواطنة فرنسية بداية هذا الأسبوع في المحمدية، وبين الحوادث الإجرامية الكثيرة التي يذهب ضحيتها مواطنون مغاربة.

فبمجرد ما هاجم لص المواطنة الفرنسية بالقرب من مدرسة كلود موني بالسلاح الأبيض وفتح بطنها، حتى تم نقلها على وجه السرعة إلى مصحة أنفا الخاصة وشملتها العناية الطبية السريعة والصارمة. وهذا سلوك حضاري وواجب إنساني لا نملك غير الانحناء احتراما للذين سهروا على تطبيقه. والواقع أننا نحلم أن تشمل هذه المعاملة الطبية والأمنية الإنسانية جميع السكان المغاربة بغض النظر عن جنسياتهم أو ديانتهم. وفي الوقت الذي كانت فيه الشرطة والطاقم الطبي بالمحمدية في قمة الإستنفار لإنقاذ حياة المواطنة الفرنسية، كانت بلا شك حياة العشرات من المغاربة تزهق أمام أبواب المستشفيات المغلقة دونهم، وعلى قارعة الطرقات بانتظار سيارة إسعاف لم تجد وقودا في خزانها لكي تتنقل إلى موقع الحادثة. تصوروا أن عامل المحمدية كلف نفسه مغادرة مكتبه والذهاب للاطمئنان بنفسه على صحة المواطنة الفرنسية في المصحة. هل كان سيصنع ذلك لو أن الضحية تلك الليلة كانت واحدة من سكان القصبة أو دوار القراعي بالمحمدية. لا أعتقد.

ظاهرة الاعتداء على رجال الأمن دون خوف من المتابعة أصبحت شيئا مألوفا في المغرب، ولعل أكبر مثال على هذه الضصارة ما قامت به مريم بنجلون عندما دهست شرطية مرور في العاصمة بعد أن أوقفتها وطلبت منها أوراق السيارة. وآخر حادث عرفته الدار البيضاء بهذا الخصوص كان عندما اجتمع أفراد عائلة واحدة حول شرطي و«دارو عليه يد من الفوقانية»، فأشبعوه ضربا وحجزوا سلاحه ومينوطه.
وعندما اعتقلت الشرطة الجناة بدأت الاتصالات لتهدئة الوضع ومطالبة الشرطي بالتنازل عن الشكاية، واتضح أن رب الأسرة ليس سوى سائق حافلة لفريق كروي مشهور وكبير في الدار البيضاء لديه أذرع طويلة ومعارف في كل مكان.

لكن الله يمهل ولا يهمل. ولعل الحارس الشخصي للملك خالد فكري لم يكن يتوقع أن ينهي شهر رمضان معاقبا مغضوبا عليه مصلع الرأس في المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة بعد أن أراد الانحناء لتقبيل يد الملك في قصره فسقط منه هاتفه المحمول وانفضح أمره أمام الملك. فالضوابط الأمنية داخل القصر الملكي تقتضي أن لا يحمل حراس الملك هواتف شخصية.

ولا بد أن السيد خالد فكري يتذكر دعوة المظلوم التي أطلقها ذلك الشرطي حارس الأمن بالدار البيضاء الذي تسبب هو والجعيدي في إبعاده بداية شهر رمضان إلى المعهد الملكي بالقنيطرة من أجل قضاء فترة تأهيل وإدماج عقابا له على خطأ تافه لم يرتكبه، حارمين إياه من قضاء شهر رمضان مع عائلته الصغيرة. وها قد أحيا الله خالد فكري إلى أن نال العقاب نفسه الذي ناله حارس الأمن البسيط في الدار البيضاء،

وأصبح فكري مجبرا على ختم شهر رمضان إلى جانب حارس الأمن المبعد في المركز نفسه، بعيدا عن زوجته وابنته التي رأت النور منذ أقل من شهر.

إننا ما زلنا بعيدين عن دولة الحق والقانون. ولذلك فإن المش اللي حكر على شي فار كايقطع ليه ديلو، وكية اللي جات فيه. ولكي يتعلم مسؤولونا الكبار والصغار احترام القانون بغض النظر عن الشهرة والمكانة الاجتماعية والثراء، ما عليهم سوى أن يتأملوا الدرس الذي أعطاه ليوناردو دي كابريو قبل أمس لوزير الاتصال نبيل بنعبد الله عندما جلس هذا الأخير بانتظار الممثل العالمي في بهو الفندق لمجرد أن يأخذ معه صورة تذكارية. فما كان من ليوناردو دي كابريو سوى أن اعتذر لسعادة الوزير بأدب وأفهمه أن عقده مع مخرج الفيلم لا يسمح له بالتقاط الصور مع الغرباء.

ربما اعتقد نبيل بنعبد الله أن ليوناردو دي كابريو هو هيفاء وهبي التي لصق بجانبها في باخرة طنجة قبل أشهر والتقط معها الصور التذكارية. وربما اعتقد أنه لمجرد كونه وزير في الحكومة فإن ليوناردو ديكابريو سيقبل مسرورا أن يلتقط معه صورة تذكارية.
ربما فقط اعتقد نبيل بنعبد الله أنه لمجرد كونه نجح في جمع ثمانين فنانا حوله على رأسهم رشيد الوالي في حملته الانتخابية الفاشلة، فإنه سينجح في إقناع ليوناردو ديكابريو بالوقوف إلى جانبه والسماح له بالتقاط صورة.
تسحابيه الخياري، هادا راه ديكابريو وأجرك عالله

ليست هناك تعليقات: